تعد المحاسبة عن المسؤولية الاجتماعية من الموضوعات الهامة التي لآقت اهتماما كبيرا في الفترة الأخيرة – في الالفية الثالثة- نتيجة للازدياد المضطرد في حجم وقدرات الشركات التي لها تأثيرات مالية واقتصادية واجتماعية واسعة، وكذلك نتيجة لزيادة الوعي والاهتمام بثقافة ممارسات المسؤولية الاجتماعية، أصبح هناك اهتمام كبير من قبل الأكاديميين وكبار المسؤولين التنفيذيين بتخصيص قدر كبير من الوقت والجهد لاستراتيجيات المسؤولية الاجتماعية ( ). ووفقا لدارسة بحثية أجريت لوجهات نظر كبار المديرين التنفيذيين من آسيا عام2010 أعلن 98% من إجمالي 766 مديرًا تنفيذيًا أن المسؤولية الاجتماعية للشركات مهمة أو مهمة جدا لنجاح واستمرار شركاتهم في المستقبل ( ).
فلم يعد مؤشر أداء الشركات مقتصرا على الأداء الاقتصادي المالي فحسب إنما أصبح الأداء الاجتماعي للشركة هدفاً من ضمن أهدافها كوحدة اقتصادية نظرا لما يعطيه من مؤشر إيجابي عن سمعة الشركة ومن ثم تحقيق الاستدامة من خلال تبنى وتنفيذ السياسات التي تحقق التوازن الاقتصادي والاجتماعي من جهة وحماية البيئة من جهة أخرى، فباتت الشركات مطالبة اليوم بالإفصاح عن أدائها في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات بالإضافة إلى ما تقوم به من إفصاح محاسبي في قوائمها المالية، وهناك عدة إرشادات تختص بالمسؤولية الاجتماعية للشركات ومنها الإرشادات التي حددتها المنظمة الدولية للمعايرة ISO التي يجب أن تكون عليها ممارسات المسؤولية الاجتماعية من خلال "ISO26000"( ) ، وكذلك المواصفات التي حددتها المنظمة الدولية للمسؤولية الاجتماعية "الاعتماد الدولي SA8000"( ) وهو دليل دولي إرشادي للمسؤولية الاجتماعية، وكذلك الدليل الاسترشادى لإفصاح الشركات المقيدة عن أداء الاستدامة (بالبورصة) المصرية.
وبعد أن قامت (البورصة) المصرية بالتعاون مع مركز المديرين المصري ومؤسسة "ستاندرد أند بورز" العالمية وكريسيل بتدشين مؤشر مسؤولية الشركات والذى من خلاله يتم تقييم الشركات المقيدة بشكل سنوي وترتيب المائة شركة الأكثر نشاطاً في السوق المصري ووفقا لأدائها في مجالات البيئة والمجتمع والحوكمة ثم يتم اختيار أعلى 30 شركة مقيدة بالبورصة من حيث السيولة والنشاط في إطار احترام قواعد المسؤولية الاجتماعية الأربع (احترام حقوق البيئة، احترام حقوق الإنسان، احترام العاملين، والبعد عن أي معاملات بها شبهة فساد)، ويتم هذا الترتيب بمؤشر هو الأول من نوعه في المنطقة العربية والثاني على مستوى العالم هو المؤشر المصري لمسؤولية الشركات، ويتم التقييم على مرحلتين الأولى جمع المعلومات من الشركات وتتضمن المعلومات التي تطرحها عبر المواقع الإلكترونية أو من خلال التقارير السنوية والمرحلة الثانية شملت جميع المعلومات المتاحة عن الشركات في مجال الإفصاح والحوكمة( ). وفي ظل الأزمات المالية الراهنة تتعرض أسعار الأوراق المالية إلى تذبذبات عالية مما أدي إلى ارتفاع درجة المخاطرة وبالتالي دفع المستثمرين إلى المطالبة بعلاوة مخاطرة أكبر ومن ثم تتجه تكلفة رأس المال إلى الارتفاع وبما في ذلك صعوبة الحصول على التمويل اللازم مما قد يؤثر على استمرارية الشركة.
وتعد العلاقة بين الإفصاح المحاسبي عن المسؤولية الاجتماعية وتكلفة رأس المال احدى العلاقات التي لم تنل اهتماما كافيا من جانب الباحثين رغم أهميتها ولكن هناك بعض المحاولات مثل دراسة (Dhaliwal. et al., 2011) ( ) والتي درست علاقة الإفصاح الاختياري غير المالي عن المسؤولية الاجتماعية للشركات بتكلفة رأس المال وتوصلت إلي أن الشركات التي تفصح عن أنشطتها الاجتماعية تنخفض تكلفة رأس المال بها، ودراسة (El Ghoul et al., 2011)( ) والتي تمت في البيئة الأمريكية وعلي قطاع الشركات الملوثة للبيئة كشركات الطاقة النووية والدخان وتوصلت إلي أن هذه الشركات لديها تكلفة رأس مال عالية وأن الاهتمام بالإفصاح عن المسؤولية الاجتماعية سوف يعزز من قيمة هذه الشركات بتخفيض تكلفة رأسمالها. ولكن كما تضمن الأدب المحاسبي العديد من الدراسات العلمية التي تناولت العلاقة بين الإفصاح المحاسبي وتكلفة رأس المال ورغم تعدد هذه الدراسات إلا أن نتائجها جاءت متفاوتة الأمر الذي جعل طبيعة هذه العلاقة محل تساؤل، فهناك العديد من الدراسات ومنها دراسة (Botosan, 2006)( ) أيدت وجود علاقة عكسية بين الإفصاح المحاسبي وتكلفة رأس المال فكلما زاد مستوي الإفصاح تتناقص تكلفة رأس المال، وكذلك دراسة (Leuz and Schrand, 2009)( ) التي قامت بتحليل العلاقة بين تكلفة رأس المال والإفصاح المحاسبي في ظل أثار أزمة الشفافية الناتجة عن انهيار شركة أنرون وخلصت إلي أنه يمكن التخفيف من أزمة الشفافية واستعادة الثقة في التقارير المالية من خلال إعادة النظر في سياسات الإفصاح وأنه من خلال تحسين حجم وجودة الإفصاح يمكن التأثير علي تكلفة رأس المال. وهناك دراسات خلصت إلي وجود علاقة طردية بين الإفصاح المحاسبي وتكلفة رأس المال فكلما زاد مستوي الإفصاح المحاسبي كلما أدي ذلك الي زيادة تكلفة رأس مال الشركة ومنها دراسة (Kristandl and Bontis 2007)( ) التي قامت بتحليل العلاقة من خلال بيانات 95 شركة مدرجة ببورصة النمسا وألمانيا والسويد والدنمارك والتي توصلت الي وجود علاقة طردية بين الإفصاح المحاسبي وتكلفة رأس مال الشركة.
وعلى ذلك تتمثل المشكلة الأساسية للبحث في التساؤل الرئيسي التالي:
هل توجد علاقة ذات تأثير معنوي بين المحاسبة عن المسؤولية الاجتماعية للشركات وتكلفة رأس المال في ضوء المؤشر المصري لمسؤولية الشركات؟
ويتفرع من هذا التساؤل الرئيسي، مجموعة من التساؤلات الفرعية:
1. ما مدي اهتمام وكفاية المعايير والإرشادات للمحاسبة عن المسؤولية الاجتماعية للشركات؟
2. هل تُعد بنود المؤشر المصري لمسؤولية الشركات كافية للإيضاح بأن الشركات المدرجة عليه مسؤولة اجتماعيا؟
3. هل هناك علاقة بين مستوي الإفصاح عن المسؤولية الاجتماعية للشركات وتكلفة رأس المال في البيئة المصرية وما طبيعة هذه العلاقة إن وجدت؟
|