تعد صناديق الاستثمار من أحد الأدوات الهامة فى تنشيط سوق المال، وذلك من خلال قدرتها على تجميع المدخرات وتوجيهها نحو الاستثمارات المناسبة التى يصعب على الأفراد أو المؤسسات القيام بها وذلك من خلال إدارة محترفة تعمل على تقليل المخاطر التى يتعرض لها المستثمرون، حيث أنها تقوم ببناء محافظ استثمارية تتبع إستراتيجيات التنويع التى تعمل على تعظيم منافع المستثمرين وتقليل حدة المخاطر التى تتعرض لها هذه الاستثمارات مما يساعد على استقرار سوق الأوراق المالية.
وتتوقف فعالية أداء صناديق الاستثمار على مدى كفاءة الإفصاح المحاسبى التى تتمتع به هذه الصناديق والذى بدوره سيعزر ثقة المستثمرين فيها لذلك يجب توافر إدارة حاكمة تستطيع السيطرة على أداء هذه الصناديق وحمايتها من التلاعب والغش والتدليس الذى يضر بمصلحة هؤلاء المستثمرين، لذلك اتجهت الجهات الرقابية إلى الاهتمام بتطبيق قواعد حوكمة الشركات لكى تستطيع جذب هؤلاء المستثمرين.
ويعتبر موضوع حوكمة الشركات من الموضوعات التى حظيت باهتمام عالمى من قبل المنظمات والمجامع العلمية والمهنية والدولية، فعلى المستوى الدولى، اهتمت المنظمات الدولية بوضع مبادئ لحوكمة الشركات لكى تكون بمثابة نقاط مرجعية يتم الاسترشاد بها عند تطبيق قواعد حوكمة الشركات فى الواقع العملى. ومن هذه المبادئ، مبادئ منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فى مجال حوكمة الشركات والتى أصدرت عام 1999 م وتم تطويرها عام 2004، ومبادئ معهد التمويل الدولى فى مجال حوكمة الشركات والآليات اللازمة لتشغيل هذه المبادئ.( )
وعلى المستوى المحلى، فإن موضوع حوكمة الشركات قد حظى باهتمام بالغ الأهمية أيضاً وذلك من خلال بحث الوسائل والطرق التى يمكن استخدامها للقيام بإرساء قواعد حوكمة الشركات فى جمهورية مصر العربية، حيث تم تقييم مبادئ وآليات حوكمة الشركات بصفة عامة وتقييم الآليات المحاسبية بصفة خاصة من خلال برامج مشتركة بين المنظمات الدولية مثل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى والحكومة المصرية،( ) ولم تسفر نتائج هذا التقييم عن تحقيق مستوى مقبول سواء فى مجال المعايير المحاسبية أو مجال قياس جودة المعلومات المحاسبية أو مجال الرقابة على إنتاج المعلومات المحاسبية، وهذا يعنى أن هناك حاجة ضرورية إلى تفعيل هذه المجالات حتى تصل إلى مستوى التحقيق الكامل لمعايير الحوكمة.
كما تقوم حوكمة الشركات بدور هام فى عدم تعرض الشركات لحالات التعثر والإفلاس المالى والإدارى، فضلاً عن دورها فى تعظيم قيمة الشركة فى السوق وضمان بقائها ونموها واستمرارها فى دنيا الأعمال دولياً وإقليمياً ومحلياً.( ) وكذلك التأكيد على مراعاة مصالح المستثمرين فى كل القرارات المتخذة من إدارة الشركة وأيضاً التأكيد على عدم تورط الشركات فى ممارسات غير قانونية أو غير أخلاقية قد تعود على الشركة بالضرر فى المستقبل.
طبيعة المشكلة:
تلعب صناديق الاستثمار دوراً حيوياً في تنمية وتطوير سوق رأس المال حيث إنها تقوم بتجميع مدخرات الأفراد بهدف إعادة استثمارها في تشكيلة منتقاة من الأوراق المالية وذلك بمعرفة إدارة متخصصة ذات خبرة عالية فى إدارة محافظ الأوراق المالية يطلق عليها مدير الاستثمار. وتعد صناديق الاستثمار أحد الأدوات الاستثمارية الحديثة والمتطورة في تنشيط سوق الأوراق المالية، وعلى الرغم من ظهورها في كثير من الدول الأجنبية منذ فترة طويلة إلا أنها تم استحدثها على المجتمع المصري من خلال قانون سوق المال رقم (95) لسنة 1992 لاستخدامها في السوق المصرية.
ومن خلال هذه الصناديق يتمكن صغار المستثمرين من توجيه مدخراتهم إلى سوق الأوراق المالية بطريقة أقل خطورة وبصورة غير مباشرة بدلا من الاستثمار المباشر في سوق الأوراق المالية، ويرجع ذلك إلى قدرة صناديق الاستثمار علي تكوين تشكيلة واسعة من الأوراق المالية تحد من المخاطر التي يتعرض لها المستثمر الفردي. مما جعلها من أنسب وسائل الاستثمار لصغار المستثمرين، وبذلك تتضح أهمية صناديق الاستثمار في إدارة الأموال، وفقا لرغبات المستثمرين واحتياجاتهم وكذلك درجة تقبلهم للمخاطر وذلك بما يعود بالنفع علي المدخرين، وعلي البنك الذي يؤسس هذه الصناديق وكذلك علي الاقتصاد القومي ككل.
ومع التطور السريع فى المؤسسات والأسواق المالية خلال الربع الأخير من القرن العشرين تزايد دور المحاسبة فى عمليات تحديد وقياس وتبويب وعرض وتلخيص العمليات الاقتصادية المتعلقة بهذه المؤسسات بغرض توفير المعلومات الملائمة للأطراف الداخلية والخارجية وبالتالي تزايد دور المحاسبة فى توجيه الموارد الاقتصادية بين المؤسسات حيث تعتمد القرارات التي تتخذها الأطراف المختلفة على ما توفره نظم المحاسبة من معلومات.( )
ونظراً لأن القوائم والتقارير المالية المنشورة تعتبر أحد المصادر الهامة للمعلومات والمتغيرات المالية التي يُعتمد عليها في أسس الاختيار بين بدائل الاستثمار المختلفة. كما أن توافر تلك المعلومات وبدرجة عالية من الدقة والموضوعية تساعد على اتخاذ القرارات الاستثمارية بصورة رشيدة.( ) ومن ثم فإن القوائم والتقارير المالية المنشورة لصناديق الاستثمار تعتبر ضرورية لقيام المستثمر بالتحليل المالى لهذه الصناديق وتقييم أدائها فى ضوء البيانات والمعلومات الواردة بقوائمها المالية.
ونتيجة لان الاستثمار الرئيسي لهذه الصناديق يكون مصدره المستثمر الفردي ، فان الأمر يتطلب ضرورة توافر المعلومات الأساسية والضرورية اللازمة لتوجيه المستثمر لاتخاذ قراره بالاستثمار، وهذا ما توفره المعلومات المحاسبية التي يتم نشرها عن صناديق الاستثمار، حيث أنها الوسيلة الوحيدة التى تساعد جميع الجهات المهتمة بصناديق الاستثمار فى الوقوف على أداء هذه الصناديق وبالتالى اتخاذ القرارات المناسبة حيال هذا الأداء مما يزيد من فعالية عمليات الاستثمار وبالتالى فعالية أسواق المال والأعمال( )، ومن ثم إن الإفصاح عن المعلومات المحاسبية لهذه الصناديق فى القوائم المالية المنشورة أمراً فى غاية الأهمية.
ويعد الإفصاح المحاسبي هو الهدف النهائي لنظام معلومات المحاسبة المالية للمنشاة ، ومن ثم كان الاهتمام كبيرا من قبل المحاسبين بضرورة توافر الإفصاح الكافي عند إعداد القوائم المالية سواء من خلال القوائم ذاتها أو من خلال الإيضاحات المتممة لهذه القوائم.( )
وبالتالى فإن الإفصاح المحاسبي لصناديق الاستثمار أمراً فى غاية الأهمية لكافه الأطراف ذات العلاقة سواء بالنسبة لمعدي القوائم المالية أو بالنسبة لمستخدمي المعلومات التي يتم الإفصاح عنها. حيث أن الدافع من اهتمام معدي القوائم والتقارير المالية بالإفصاح المحاسبي للصناديق الاستثمار، هو الوفاء بالمتطلبات الأساسية الإلزامية التى تحددها الجهات المختصة، تجنب المساءلة، المحافظة على تنمية موارد الصندوق، وكذلك لمقابلة مستحدثات البيئة الاقتصادية والاجتماعية. أما الدافع من اهتمام مستخدمي المعلومات بالإفصاح المحاسبي لصناديق الاستثمار، هو أنه يعتبر الوسيلة الأساسية لتوصيل المعلومات اللازمة. لذلك ينبغى على معد القوائم المالية ملاحظة ذلك بحيث تصبح هذه القوائم وهى مخرجات النظام المحاسبى ذات غرض عام تفى باحتياجات كافة الأطراف دون محابة طرف على أخر فى توصيل المعلومات التى تفيدها دون باقى الطوائف.( )
ومن هنا تتضح أهمية القوائم المالية المنشورة باعتبارها أهم مصادر المعلومات المحاسبية عن صناديق الاستثمار. ولكن علي الرغم من أن قانون سوق رأس المال ولائحته التنفيذية وكذلك قرار وزير الاقتصاد رقم 503 لسنة 1997م، والذى أحل محلهما قرار وزير الاستثمار قم 243 لسنة 2006 قد حدد بعض الضوابط اللازمة لتوفير الإفصاح الكافي والملائم عن القوائم المالية. إلا أن صناديق الاستثمار التي تنشر قوائمها المالية في الصحف لم تلتزم بهذه المحددات فيما تنشره من قوائم وتقارير.
حيث ظهرت المعلومات التى تحتويها قائمة المركز المالي المنشورة لصناديق الاستثمار، بصورة مدمجة لا تتوافق مع التبويب الوارد بالنماذج الاسترشادية المحددة من قبل الجهات المختصة.( ) حيث أنها لم تفصح عن كافة البيانات والمعلومات المحاسبية الهامة التى يجب عن الإفصاح عنها وقامت بإدماج بعض البنود الهامة التى يجب إظهارها مفردة وإظهار البعض الأخر التى يمكن إدماجها، مما جعلها تفقد أهميتها من وجهة نظر مستخدميها وبالتالي صعوبة الاعتماد عليها للتعرف على المعلومات الضرورية واللازمة عند اتخاذ قراراتهم الاستثمارية.
كما أن المعلومات التي تحتويها قوائم الدخل المنشورة تتسم بالتلخيص والدمج الشديد،( ) مما يصعب علي المستثمر الاعتماد عليها في الحصول علي المعلومات المفسرة للبنود المؤثرة علي الأرباح، بالإضافة إلى صعوبة إيجاد علاقات فيما بين بنود هذه القائمة نتيجة لهذا الدمج. وكذلك البيانات المنشورة بقائمة التدفقات النقدية وقائمة توزيعات الأرباح المنشورة اتسمت بالدمج الشديد مما جعلها تفقد أهميتها وتخل بالغرض الذي أعدت من أجله، ويوجد أيضا قصور في الإيضاحات المتممة المرفقة بالقوائم المنشورة، حيث أن الإيضاحات التي يتم نشرها تكون عبارة عن إيضاحات سريعة وملخصة لبعض البنود الخاصة بالإفصاح العام، لذلك فهي تعتبر غير كافيه، كما إنها لا تقدم تفسيرات واضحة للعناصر المدرجة في صلب القوائم المنشورة.
كما يلاحظ أن القوائم المالية التي تنشرها صناديق الاستثمار تختلف من صندوق لآخر من حيث درجة الإفصاح المحاسبي للبنود، حيث توسعت بعض الصناديق في الإفصاح عن جميع بنودها، والبعض الآخر اقتصر الإفصاح في حدود ضيقة لا تفي بكل المتطلبات الأساسية لمستخدمي القوائم المالية. وهذا الاختلاف لا يُمكن من إجراء المقارنات لهذه القوائم من قبل المستثمرين الحاليين والمستقبليين، مما يصعب عليهم تقييم أداء هذه الصناديق. كما أن هذه القوائم لا تتطابق مع نماذج القوائم المالية المرفقة بالقرار الوزاري رقم 503 لسنه 1997م والخاصة بصناديق الاستثمار من حيث درجة الإفصاح، ومن حيث الشكل الموحد لهذه القوائم.
وبناء علي ما تقدم يتضح أن القوائم المالية المنشورة لصناديق الاستثمار لا تحقق الإفصاح المحاسبي الكافي والملائم لاحتياجات المستثمرين في سوق الأوراق المالية، مما يؤدي إلى انعدام قدرتهم علي اتخاذ قرار الاستثمار المناسب. وبما أن فعالية أداء صناديق الاستثمار تتوقف علي مدي كفاءة الإفصاح المحاسبي التي تتمتع به هذه الصناديق، والذي بدورة سيعزز ثقة المستثمرين فيها، لذلك يجب توافر إدارة حاكمة تستطيع السيطرة علي أداء هذه الصناديق وحمايتها من التلاعب والغش والتدليس الذي يضر بمصلحة المستثمرين. لذلك فان الأمر يتطلب ضرورة وجود نظام فعال يتم من خلاله القيام بالإدارة والرقابة علي هذه الصناديق.
وهنا تقترح الباحثة استخدام مفهوم حوكمة الشركات كأحد الآليات المستحدثة لتلافي قصور الافصاح المحاسبي بصناديق الاستثمار. حيث أن مفهوم حوكمة الشركات يهتم بإيجاد وتنظيم التطبيقات والممارسات السليمة للقائمين على إدارة الصندوق، بما يحافظ على حقوق حملة الأسهم والسندات المستثمرين بالصندوق وأصحاب المصالح.( ) وتتضمن أيضا موضوعات خاصة بقانون الشركات وقوانين الأوراق المالية وقواعد قيد الشركات بالبورصة داخل كل بلد، والمعايير المحاسبية التي تطبق على الشركات المقيدة بالبورصة وقوانين مكافحة الاحتكار وقوانين الإفلاس وعدم الملاءمة المالية.( )
ويتضح من التعريف السابق أن حوكمة الشركات تطالب بالإفصاح في الوقت المناسب عن كافة التغيرات والتطورات التي تحدث في الشركات وتقديم المعلومات لجميع المساهمين بصورة مستمرة بهدف ضمان المعاملة المتكافئة والمتساوية لجميع المساهمين0
ولكي يتم تطبيق قواعد حوكمة الشركات علي صناديق الاستثمار فان الأمر يتطلب وجود أساس فعال يساعد علي ذلك، وهذا الأساس عبارة عن البنية التشريعية والرقابية (نماذج وإطار الحوكمة) التي تحكم سوق الأوراق المالية والمتعلقة بآلية عمل صناديق الاستثمار.
|