يمكن التقرير بداية بأن الأبعاد البيئية المختلفة أصبحت محور الإهتمام عند تناول مختلف المشكلات، وذلك للتأثير المتبادل بين تلك المشكلات وبين البيئة المحيطة، ويكون تناول تلك الأبعاد على سبيل تحسين الظروف البيئية التى ينصب أثرها على الإنسان وبالتالى على التنمية بكافة صورها.
وتقوم الحكومات فى كثير من دول العالم بإقامة المشروعات العامة، مع إتخاذ السبل والإجراءات الضامنة للحد من التلوث وتحسين الظروف البيئية بصفة عامة، خاصة وأن المشروعات الإستثمارية على كافة أنواعها لا تعمل فى فراغ، وإنما تعمل من خلال بيئة محيطة تؤثر فيها وتتأثر بها، بل والأكثر من ذلك أنه لا يمكن للمشروع أن يمارس النشاط بعد تحوله إلى وحدة ترى النور، إلا إن حدث وتفاعل مع البيئة.
وعليه إن لم تكن للبيئة حاجة إلى المخرجات المتوقعة من هذا المشروع الإستثمارى، فلا يتأتى أن يُكْتَب له النجاح أو الإستمرار.
وإذا ما تم الإتفاق على أن الهدف الأساسى لكافة المشروعات الإستثمارية الخاصة إنما يتمثل فى تحقيق أعلى عائد ممكن على الأموال المستثمرة وتحقيق المنفعة الخاصة لملاك هذه المشروعات – وتأتى المنفعة العامة بعد ذلك إن كان هناك ما يفرض تحقيقها إلزاماً على ملاكها عادة – فإنه من المعروف أن "المشروعات العامة يُعَد الهدف الأساسى لها هو تحقيق المنفعة العامة سواء تحقق ربح من هذه المشروعات أم لا".
وتسعى المشروعات العامة – بعد تمام إقامتها – إلى تقديم مجموعة من المنافع تتعلق عادة بالخدمات الأساسية للمواطنين من مياه، صرف صحى، كهرباء، غاز طبيعى، خدمات الهاتف، وذلك بالإضافة إلى خدمات النقل والمواصلات على إختلاف أنواعها – فى جانب كبير منها – وغير ذلك من الخدمات.
ويُعَد إنشاء محطة لمترو الأنفاق أمام جامعة حلوان من المشروعات الإستثمارية العامة التى تحقق منافع بيئية بكافة الأبعاد؛ إجتماعية، إقتصادية، أمنية، وغيرها سواء لرواد الجامعة على تنوعهم وإختلاف فئاتهم أو للمنطقة المحيطة بالجامعة بصفة عامة.
ولانفراد الدولة عادة بإقامة المنشآت العامة وبالتالى ملكيتها خاصة فى الدول النامية والناهضة – ولا يخفى ما تلاقيه حكومات تلك الدول فى تدبير الموارد اللازمة من صعوبات – لذا هناك من أكد على ضرورة وأهمية القيام بعمل دراسات جدوى لمثل هذه المشروعات حيث أن المجتمع بأثره يتحمل بأعباء تمويلها.
ولكونه من الملموس محدودية الموارد، خاصة فى الدول النامية، وحيث أن المشروع المقترح سيستلزم تنفيذه إستقطاع جزء من موارد المجتمع المتاحة، فهذا يعنى الحاجة الماسة إلى الدراسة الواعية والمتأنية الضامنة لحسن إستخدام هذه الموارد والتأكيد على أمثلية الإستخدام.
ولقد ذُكِرَ فى هذا الصدد أنه "فى ظل الموارد المحدودة للمجتمع فإن إتخاذ قرار غير مدروس بإنشاء مشروعات دون تقييم يعنى تبديداً لهذه الموارد، فى حين أن التقييم السليم قبل إنشاء هذه المشروعات والذى يستند على معايير محاسبية فى ظل المتطلبات الإجتماعية هو ركيزة المخطط فى حل مشكلة إتخاذ القرار فى هذه الحالة فضلاً عن ضمان توجيه موارد الإستثمار بحسب المتطلبات الإقتصادية والإجتماعية للخطة".
ولقد نشأت فكرة البحث حينما عُقِدَت إحدى الندوات العلمية بجامعة حلوان وكان موضوعها "البطالة وتحديات الإصلاح الإقتصادى"(*)، وعنوان الندوة فى ذاته يحمل الأبعاد البيئية؛ إجتماعية وإقتصادية، وقد لاحظ الباحث – حيث حضر الندوة – أن مقر الجامعة يقع بين محطتين لمترو الأنفاق، وهما محطة "عين حلوان" ومحطة "وادى حوف"، والمسافة بين المحطتين أطول من أن تُتْرَك بدون محطة بينية، خاصة وأن مترو الأنفاق يمثل وسيلة المواصلات الوحيدة الموصِّلة إلى كليات الجامعة المختلفة بإستثناء الوسائل الخاصة، وقليل ما هى، لأسباب أهمها تطرف موقع الجامعة وإعتبارها بمنطقة نائية عن وسط المدينة.
ولكون محطة "عين حلوان" هى الأقرب للجامعة، فقد تم تخصيص مجموعة من وسائل النقل الداخلى بعضها تابع للجامعة والآخر تابع لهيئة النقل العام، وذلك لنقل رواد الجامعة من المحطة المذكورة، بجانب مجموعة من سيارات "الميكروباص" الخاصة.
ونظراً لكثرة العاملين بالجامعة من أعضاء هيئة تدريس ومعاونيهم، وموظفى الأعمال الإدارية على إختلاف فئاتهم، والأكثر عشرات الآلاف من الطلاب بكليات الجامعة المختلفة، والغالبية العظمى ليس لهم وسيلة للنقل إلا مترو الأنفاق، ونسبة ليست بالقليلة منهم من المُعَاقِين على إختلاف أنواع ودرجات الإعاقة، لذا تحولت الفكرة إلى مشكلة تبحث عن حل، خاصة إذا ما كُشِفَ النقاب عن:
1- التلوث البيئى الناتج عن وسائل النقل الداخلى المذكورة، خاصة سيارات "الميكروباص"، وأغلبها – إن لم يكن جميعها – متمثل فى سيارات متهالكة وذات عوادم مرتفعة وبعيدة عن أعين الأجهزة المرورية، وأقل ما يُقَال عنها أنها لا تصلح للتسيير الآمن أو للإستخدام الآدمى، ويكفى ما بحلوان من تلوث بيئى معلوم، فهناك عوادم المصانع وما لها من أثر على البيئة المحيطة والمجتمع الطلابى ورواد الجامعة بصفة عامة.
2- ما قد ينجم من حوادث فى المسافة بين محطة "عين حلوان" ومبنى الجامعة نظراً إلى:
أ- وجود أربع منحنيات خطيرة – بالمفهوم المرورى – على هذه المسافة.
ب- كثرة معدات البناء من أوناش وسيارات نقل ومقطورات وغيرها بالمنطقة، وذلك لأن كثيراً من المبانى والإنشاءات الخاصة بالجامعة وكلياتها داخل الحرم الجامعى مازالت تحت الإنشاء.
لما سبق وغيره وجد الباحث أن المشكلة حادة وتحتاج إلى دراسة متأنية لجوانبها المختلفة خاصة وأن إنشاء محطة لمترو الأنفاق وتجهيزها للتشغيل يعنى الحاجة إلى تكاليف إستثمارية تُعَد فى معظمها مُغْرقة بعد التنفيذ، وتحتاج إلى تخصيص موارد يتطلب الأمر توفيرها من خلال الموازنة العامة للدولة عادة – ولا يخفى عجزها – مما يعكس ضرورة الإطمئنان شبه التام على أن مردود الإنفاق الإستثمارى محقق وبالدرجة المطلوبة، مع الوقوف على أنسب البدائل الإستثمارية المحققة للهدف وبأقل تكلفة إستثمارية ممكنة.
ولقد خَلُصَ الباحث إلى مجموعة من النتائج يعرضها مُستْتَبْعَة بتوصية البحث وذلك فيما يلى:
1- المشروع المقترح لا يقف الأمر عند حد عدم تعارضه مع البيئة المحيطة، بل إن الأخيرة تتطلب وجوده وبإلحاح، فالمشروع سيخدم مجتمع الجامعة والبيئة المحيطة وذلك بالحد من التلوث – عن طريق الإستغناء عن وسائل النقل الداخلى المتعددة – وتوفير الوقت والجهد سواء للمُعَافين أو المُعَاقين، والأهم من هذا وذاك فإن إنشاء المشروع المقترح يتفق وأحد أهداف إستثمار الأموال فى الإسلام متمثلاً فى تحقيق مقاصد الشريعة الخمسة وهى المحافظة على كل من الدين والنفس والعقل والعِرْض والمال.
2- العائق الفنى المرتبط بالمسافة البينية بين المحطة المقترحة والمحطة السابقة أو اللاحقة لا أساس له حيث ثبت وجود مسافات بينية أقل فيما بين محطات قائمة فعلاً على نفس الخط، أما عن العائق الفنى الثانى والمرتبط بالتحكم المركزى فليس له سند علمى أو موضوعى، ويمكن إزالته بتعديل بسيط فى برنامج "الكمبيوتر" بما يستلزمه إضافة المحطة المقترحة على الخط، مع ربط جهاز التحكم الخاص بالمحطة المقترحة – بعد الإنشاء – بغرفة التحكم المركزى.
3- فى ضؤ النماذج التى إقترحها الباحث لتنفيذ المشروع المقترح، وبعد حساب التكاليف الإستثمارية المرتبطة بكل نموذج وفق الأسعار المتوقعة بفرض بدء التنفيذ مع بداية عام 1995، توصل الباحث إلى أن النموذج (جـ) والممثل لنموذج المحطة العلوية هو أنسب البدائل، وهو المحقق لإقتصاديات التكاليف الإستثمارية حيث بلغت تكلفته 10222576 جنيهاً مصرياً + 5852593 فرنكاً فرنسياً.
وبإستخدام متوسط سعر تحويل الفرنك الفرنسى لعام 1994، وهو 6109, 0جنيه تقريباً، تكون التكلفة الإستثمارية للنموذج المختار = 13.797.925 جنيهاً مصرياً.
4- هناك إيرادات تفاضلية متزايدة على مستوى جهاز تشغيل مترو الأنفاق من الممكن أن تتحقق بإنشاء المحطة المقترحة، كما وأن هناك تكاليف تفاضلية متناقصة (وفورات) من الممكن أن تتحقق سنوياً على مستوى كل من جامعة حلوان وهيئة النقل العام بمدينة القاهرة تبلغ 596.885 جنيهاً، 273.075 جنيهاً على الترتيب وذلك بتوفير سيارات كل منهما والتى تستخدم حالياً كوسائل نقل داخلى، ويلاحظ أن هذه الوفورات يمكن قبول تحققها فى صورة عينية إذا ما كان هناك حاجة لتدعيم حركة النقل بالجامعة أوبعض المناطق التى تعانى إزدحاماً شديداً بالنسبة للهيئة وبالتالى نكون قد حصلنا على منافع بيئية متزايدة عن طريق تحسين خدمات النقل وتخفيض حدة الزحام فى هذه المناطق.
5- يجب ألا يُتْرك عبء تمويل المشروع المقترح على الدولة من خلال الموازنة العامة لها، بل لابد من وجود مساهمات من الهيئات والوحدات والأفراد تمويلاً لمثل هذه المشروعات – خاصة المستفيدة بشكل مباشر من المشروع المقترح – من أجل التنمية البشرية والحفاظ على البيئة وتحقيق وتحسين المنافع البيئية على إختلاف أنواعها.
وفى النهاية يوصى الباحث بضرورة إنشاء المحطة المقترحة حسب النموذج المختار لما سيحققه ذلك من منافع بيئية متعددة الأبعاد وبأقل تكلفة إستثمارية ممكنة.
|