تعمل الوحدات الاقتصادية فى بيئة تنافسية تخطت – فى معظمها – المحلية إلى العالمية مع اتسام هذه البيئة بسرعة التغير مما يستوجب تبنى الأساليب الملائمة للتمكن من البقاء والنمو والاستمرار.
ولعل التكتلات الاقتصادية والحد من القيود الجمركية إرتباطاً بإتفاقيتى منظمة التجارة العالمية (WTO)، والاندماجات بين الشركات حتى العملاقة متعددة الجنسية، إضافة إلى ثورة الإتصالات والمعلومات والنظام العالمى الجديد (Globalization) والتحول إلى الآلية ونظم التصنيع الحديثة ....، كل ذلك وغيره يُعد داعياً وبإلحاح للبحث عن مضادات حيوية لإمكان إحداث تحسين لكفاءة وجودة الأداء والمنتجات، بل وضمان إستمرار التحسين سعياً وراء تحقيق هدف صفرية العيوب وتحقيق الجودة بكافة أبعادها، وبما يُمَكِّن من المنافسة المزدوجة فى الأجل القصير وضمان التمكن فى الأجل الطويل. كذلك ينبغى أن تتواكب أساليب التحسين بالوحدات مع "ديناميكية" بيئة الأعمال وما يطرأ من ظروف غير مواتية متعددة الأبعاد والمستويات، وهذا يحتم التخلى عن الأداء الروتينى والسعى فى اتجاه تفاعل الوحدات مع هذه الظروف من خلال النظم والأساليب والمناهج المحاسبية والإدارية الحديثة لضمان التحسين مما يستلزم تحديد الأسباب الجذرية لضعف كفاءة الأداء واتخاذ ما يلزم لإحداث تحسين دائم ومستمر، وذلك لإمكان تحقيق خفض حقيقى وتحسين للتكلفة مع الرقابة الفاعلة والضامنة لجودة المنتجات المشبعة لرغبات العملاء. ويعتبر الأسلوب المدمج (Lean/Sigma) محققاً لذلك بعد تفعيله خاصة إذا تكامل وأسلوب بطاقة الأداء المتوازن.
ولقد أشار كل من (Anderson & Sedatole) إلى أن "المحاسبة الإدارية قد إستجابت لتحدى تنفيذ برامج إدارة الجودة بإحداث تغييرات فى إدارة التكلفة ونظم تقويم الأداء .... ولقد تم استخدام المقاييس غير المالية لأداء العمليات مثل الأجزاء المعيبة/ مليون، وكذلك المقاييس المعتمدة على السوق فيما يتعلق بجودة الأداء مثل إشباع العملاء والاهتمام بشكواهم. كذلك فالمحاسبة تتيح بيانات عن تكاليف الجودة للمسئولين بالوحدات، وهو ما يعطى لقطة "فوتوغرافية" لمدى تقدم المنشأة تجاه إدارة الجودة الكلية".
ويُعد كل من أسلوب (Lean/Sigma) وبطاقة الأداء المتوازن (BSc)، محور إهتمام هذا البحث والذى يهدف إحداث تزاوج بين الأسلوبين لنيل الحُسنَيين، وهما تحسين كفاءة وجودة الأداء والمنتجات وضمان إستمرار عمليات التحسين، ويعكس ذلك الإرتقاء بمستويي الكفاءة والجودة، وهو ما يتطلب توظيف مجموعة من الأساليب المحاسبية الملائمة وبعض الآليات المعضدة فى هذا الإطار لتفعيل التزاوج المذكور مثل نظام التكلفة على أساس النشاط (ABC) وما يستلزمه من تحليل للقيمة وهندسة للقيمة (VA) & (VE)، وما تفرع من مناهج لتحسين الأداء وذلك بالإضافة إلى التكاليف المستهدفة (TC) وسياسة الإنتاج الفورى (JIT) والتمكين (Empowerment) والإقتداء بأفضل الممارسات (Best Practices) من خلال (Benchmarking) ونظراً لما ذكره (Young) من أن "الابتعاد عن الدراسات النظرية البحتة فى المحاسبة الإدارية والتوجه نحو الدراسات التطبيقية أصبح سمة غالبة ومستحدثة منذ قرابة ربع قرن مضى، وتحديداً فى المجالات الصناعية". وإشارة إلى ما ذكره عن (Adler & Adler) فى استفسارهما المؤسس على نظرية المعرفة (Epistemological Question) عما إذا كان الباحثون يهدفون فهم أداء الوحدة من وجهة نظر منهجية خارجية (Ethno methodological Point) أم وجهة نظر من هم داخل الوحدة ذاتها (Empiricist Point). وتأسيساً على ما سبق فقد انتهج الباحث الدراسة الإختبارية من خلال دراسة حالة إحدى الشركات الصناعية لإختبار مدى ملاءمة مناخ الشركة لتطبيق الأسلوب المتكامل المقترح والجامع بين أسلوبى (Lean/Sigma) وبطاقة الأداء المتوازن.
ولقد تم إختيار الشركة المذكورة لإجراء الدراسة الإختبارية لاعتبارات عدة منها خدمة البيئة المحيطة حيث تقع الشركة فى عاصمة المحافظة الضامة كذلك للجامعة التى ينتمى الباحث إليها، بالإضافة إلى ضخامة حجم الشركة وأصولها وأنشطتها ومنتجاتها، وهى من الشركات القليلة على مستوى الشرق الأوسط التى تخدم المجالين العسكرى والمدنى معاً، ويراها الباحث من الشركات التى ينبغى أن تطبق الأسلوب المتكامل المقترح لتحسين كفاءة وجودة الأداء والمنتجات بها وجنى ثمار التحسين وضمان إستمراره.
وللبحث أهمية على المستويين العلمى والعملى، فأما على المستوى العلمى فالبحث يساعد فى إتاحة أسلوب جديد يجمع بين أسلوب (Lean/Sigma) وما يتطلبه من أساليب محاسبية وإدارية معضدة على سبيل تحسين كفاءة أداء الوحدات وجودة منتجاتها، وتدنية الإنحرافات بما يقترب من حد الكمال فى الأداء، وبين أسلوب بطاقة الأداء المتوازن كأسلوب لتقويم الأداء والذى بتوظيفه يتم التأكد من مردود تطبيق الأسلوب الأول (Lean/Sigma) وضمان استمرار التحسين فترة تلو الأخرى وأن الإنحرافات عند حدها الأدنى، بل وأنها تنخفض عن هذا الحد مع استمرار عمليات التحسين، هذا على المستوى العلمى، أما على المستوى العملى فيساعد البحث فى التعرف على بيئة الشركة محل الدراسة لتطويعها بما يتلاءم وتطبيق الأسلوب المتكامل (المقترح) وذلك من خلال الآليات التى تناسب ذلك.
وقد توصل الباحث إلى مجموعة من النتائج تمثلت فى:
الأسلوب المدمج (Lean/Sigma) يعبر عن إستراتيجية طويلة الأجل تهدف تحسين كفاءة وجودة الأداء والمنتجات وتخفيض الإنحرافات تركيزاً على عمليات التشغيل فى ضؤ إستراتيجية الوحدة المطبقة وأهدافها، ويتم ذلك من خلال إنجاز العمليات فى زمن ملائم وإستبعاد أى فاقد بالإضافة إلى كل ما لا يضيف قيمة للمنتج – من منظور العملاء وبإستخدام مجموعة من الأساليب المحاسبية والآليات المعضدة – حفاظا على الموارد وتحسين كفاءة الأداء وتحجيم العيوب بحيث لا تتعدى 3.4 عيب / مليون فرصة، وهو ما ينعكس بأثر مزدوج على ربحية الوحدة حيث الخفض فى التكاليف والزيادة فى المبيعات، مع إستمرار عمليات التحسين وصولاً إلى صفرية العيوب.
سياسة الإناج الفورى (JIT) جنباً إلى جنب مع أسلوبى تحليل وهندسة القيمة ونظم التصنيع المرنة والمتكاملة والتى تعمل إلكترونياً بجانب تفعيل دور الصيانة الوقائية، كل ذلك يعمل على تكوين آلية مدمجة قوية تُمكّن من تطبيق أسلوب (Lean/Sigma) بفعالية.
أسلوب بطاقة الأداء المتوازن يمثل أداة فعالة للإتصال والقياس وتقويم الأداء المتوازن والمتكامل بإستخدام مقاييس متعددة – مشتقة من إستراتيجية الوحدة – وذلك من خلال محاور البطاقة للتأكد من تحقيق الأداء لما تهدفه الإستراتيجية دورياً مع متابعة تنفيذها والتقدم فيها، وذلك بكافة الوحدات الفرعية بالوحدة الأم بالإضافة إلى المساعدة فى تنمية المتابعة والرقابة الذاتية.
مردود تكامل أسلوب بطاقة الأداء المتوازن مع الأسلوب المدمج يظهر من خلال تأكيد البطاقات على تحقيق ما يلى وإستمراره، فى ضؤ أولويات برامج التحسين وفق الإستراتيجية الموضوعة:
- سلامة إجراءات تنفيذ أساليب التحسين كتحليل وهندسة القيمة ومردودها من حيث تبسيط إجراءات الأداء وتخفيض كل من التكلفة وفرص حدوث عيوب فى المنتج.
- مأمونية وسلامة إنتهاج سياسة (JIT) من حيث عدم حدوث مردود سلبى على المخزون وإنعكاساته على العملاء والطاقات المتاحة والتطبيق المحسوب لسياسة التمكين ومردود التطبيق.
- مدى الإلتزام بالجدول الزمنى الموضوع لتحسين كفاءة وجودة الأداء والمنتجات وفق الأولويات المحددة للتنفيذ، ومدى التقدم فى إتجاه تحقيق صفرية العيوب.
- إلغاء الأنشطة عديمة القيمة ودمج أو تقليص ما لا يمكن إلغاءه منها، وأن الخفض فى التكاليف يمثل خفضاً حقيقياً ودائماً ولا يؤثر فى قدرة المنتج على أدائه لوظائفه من خلال التطبيق السليم لنظام التكلفة على أساس النشاط.
الأسلوب المتكامل المقترح تتمثل منهجيته فى ثمان مراحل، مع إزدواج كل من المرحلة الأولى والمرحلة الأخيرة، وتتمثل هذه المراحل فى التحديد والتعريف فالقياس، ثم التحليل فالتصميم فالمراجعة، ثم التنفيذ فالتقويم فصنع وإتخاذ القرار، ويلاحظ أن التقويم يمثل نوعاً من التغذية العكسية والتى تفرض على المرحلة المزدوجة الأخيرة إعادة أى من المراحل السابقة عليها أو البدأ فى مشروع (برنامج) التحسين التالى وفق الأولويات المحددة للتنفيذ.
ويشير الباحث إلى أن الدلالات الإحصائية التى ظهرت من خلال دراسة الحالة تجعل من غير المنطقى التوصية بالتطبيق الفورى للأسلوب المتكامل المقترح، وإنما المنطق يفرض البدأ بتهيئة المناخ على سبيل التمهيد للتطبيق والإرتقاء بمستويي الكفاءة والجودة.
لذلك يوصى الباحث المسئولين بالشركة – محل الدراسة – بضرورة مراعاة ما يلى بعد الإقتناع به وإدراك حتميته:
دراسة سلوك الأفراد وعلاقتهم بالإدارة، وتوظيف الآليات الملائمة لتوجيه السلوك وتهذيب العلاقة بما يجعلها فى وضعها الأمثل من خلال مراعاة موضوعية جوانب ومعايير الدافعية والتحفيز والترقى وشغل المناصب القيادية مع التركيز على أسلوب العمل الجماعى والتمكين الذكى المحسوب خاصة وأن الأخير يُمكّن من إتخاذ القرارات المرتبطة بالموقف أثناء التشغيل لتفادى تعطل الأداء طالما توفرت القدرة لدى العاملين على ذلك مع تحملهم لمسئولية القرار، وهو ما يستلزم مرونة نسبية والبعد عن الإجراءات المنمطة مع تضييق الفجوة بين الأدائين التخطيطى والتنفيذى من خلال المشاركة الفعالة.
تطوير نظام المعلومات بالشركة وكذلك أساليب تشغيله بما يتيح البيانات والمعلومات الملائمة – فى ذاتها وتوقيتها وتناسبها – لتأدية وظائف الوحدة المتعددة بدءاً بالتخطيط وحتى تقويم وصنع وإتخاذ القرارات فى مختلف الآجال، والإستفادة من النظام ليس كمجرد قاعدة للبيانات فحسب ولكن كشبكة إتصال داخلى (Intranet).
تطبيق الأساليب المحاسبية الضامنة لتحقيق خفض حقيقى ودائم فى التكاليف، مع الحفاظ على كفاءة أداء المنتج لوظائفه بل وتحسينها، بالإضافة إلى ضمان الحصول على بيانات تكاليفية تتسم بالدقة والثقة والإعتمادية، وهنا يمكن إستخدامها أو الإسترشاد بها فى قرارات التسعير.
الإهتمام – بالتبنى – بعقد لقاءات وورش عمل دورية وبرامج تدريب ملائمة للعاملين – كل فى مجاله – حيث تجمد الرصيد المعرفى لمعظمهم عندما يُؤَدًى به العمل الموكول وبصورة روتينية. ومن خلال اللقاءات وورش العمل يتم توصيل المفاهيم الحديثة وأساليب تحسين الأداء مع عرض تجارب الشركات التى سبقت وتميزت فى المجال وشرح ما انتهجته هذه الشركات وما وصلت إليه من نتائج، ويُعد ذلك على سبيل تهيئة المناخ – فيما يتعلق بالموارد البشرية بالشركة – لتطبيق الأسلوب المتكامل المقترح، خاصة لو تم الإفصاح عن نجاحات مشروعات التحسين بالشركة جنباً إلى جنب مع جوانب الإخفاق ودراستها معهم لإستنباط وإقتراح ما يساعد على عدد تكرارها مع ضرورة إدارة الأزمات بصورة فاعلة والإبتعاد عن الحلول المؤقتة وأنصاف الحلول والتركيز على الحلول الجذرية للمشكلات حتى لو كانت مرحلية مع جدولتها ومتابعتها بدقة.
إتباع المنهجية المقترحة لتطبيق الأسلوب المتكامل، وذلك بعد تهيئة المناخ بإستخدام الآليات المقترحة وتحديد مشروعات وبرامج التحسين وأولوياتها أخذاً فى الحسبان العلاقات التأثيرية والتكاملية فيما بينها، والتركيز على مشروعات التحسين الأولى بالرعاية مع ضرورة مراعاة التوزيع الجيد والمدروس للأدوار فيمن سيوكل إليهم أمر التحسين فى كل مشروع كأفراد ووحدات تنظيمية معنية.
الإهتمام بالمعايير التكاليفية قدر الإهتمام بالمعايير الفنية بالشركة، مع مراعاة واقعية كل من هذه المعايير وتلك ومراجعتها دورياً لضمان ملاءمتها، مع إعمالها من خلال نظام لمحاسبة المسئولية وبما يكفل دراسة إنحرافات الفعليات وإتخاذ ما يلزم بصددها لمنع غير المستحب منها.
التركيز على تكاليف الوقاية فيما يتعلق ببرامج رقابة الجودة وذلك لتقليص أو تفادى باقى تكاليف الجودة، وخاصة ما له إنعكاسات على جودة الأداء أو درجة رضاء العملاء وولائهم، ولاشك فى أن الوقاية تغنى عن العلاج والأخير قد يستحيل، وبالتالى فتكاليف الوقاية تساعد فى تحجيم العيوب فى الأداء والمنتجات تمهيداً لتصفير العيوب.
وعلى سبيل الأبحاث المستقبلية:
يوصى الباحث بتكرار هذه الدراسة، ولكن ميدانياً لإختبار مدى ملاءمة مناخ شركات قطاعى الأعمال العام والخاص، وعلى المستوى القطاعى بالنسبة للصناعات لتطبيق الأسلوب المتكامل المقترح، وإن كان الباحث يتنبأ مقدماً بأن الحال لن يكون مختلفاً عما ظهر بدراسة الحالة خاصة فى شركات قطاع الأعمال العام، ولكن الدراسات مطلوبة سواءً لتطبيق الأسلوب المتكامل المقترح حالة ملاءمة المناخ أو لتركيز الإنتابه على ما يستلزم التهيئة كتمهيد للتطبيق
|