لعل التوجهات الحالية على الساحة الإقتصادية فى مصر متمثلة فيما هو قيد التنفيذ من برنامج للإصلاح الإقتصادى من أجل تحقيق التنمية بمفهومها الشامل وبأبعادها المتعددة يتطلب التوجيه السليم للإستثمارات والإطمئنان إلى سلامة المردود الإقتصادى والإجتماعى لهذه الإستثمارات.
ولاشك أن بقاء وإستمرار ونمو الوحدات مرهون بوجود دراسات جدوى سليمة للمشروعات الإستثمارية الخاصة بنشأة هذه الوحدات، ويركز الباحث على أن تكون هذه الدراسات مُعَدَّة على أساس علمى ووفق برنامج محدد، ومن خلال فريق عمل مؤهل التأهيل الملائم نظرياً وعملياً، حيث أن هذه الدراسات ترتبط بتنبؤات – ولا يعلم الغيب إلا الله – ويُعَد التنبؤ على سبيل الإجتهاد فى تقدير ما هو متوقع فى ضؤ المتغيرات المؤثرة سواء فيما حدث فى فترات سابقة أو ما هو متوقع فى فترات تالية.
ورغماً عن أن كثيراً من المشروعات الإستثمارية تخضع لمثل هذه الدراسات إلا أن بعضاً منها قد تعثر أو أفلس أو تم تصفيته، والأمر واضح فيما يتعلق بشركات قطاع الأعمال – العام منها والخاص – ويعتبر الباحث المشكلة أدهى وأمر فيما يتعلق بالمشروعات المرتبطة بالخدمات العامة والمشروعات القومية التى تُرْصَد لها الملايين والمليارات من الجنيهات ثم تبؤ بالفشل بعد تنفيذها ولا تحقق جدواها.
ويعتقد الباحث أن مرد أغلب هذه المشكلات الخاصة بتعثر وإفلاس وفشل تلك المشروعات الإستثمارية بعد تنفيذها هو أحد أو بعض أو كل ما يلى:
1- عدم سلامة الأسس والفروض التى أُعِدَّت على أساسها دراسات جدوى تلك المشروعات.
2- عدم سلامة البيانات والمعلومات – فعلية وتنبؤية – التى تم الإعتماد عليها فى إعداد تلك الدراسات.
3- عدم التحديد السليم للظروف المتوقع أن تسود خلال عمر المشروع الإستثمارى قيد الدراسة.
4- عدم الإستعانة بالأساليب الكمية الملائمة والتى تساعد على الوصول إلى نتائج تتسم بالموضوعية.
5- عدم توظيف المعايير الملائمة والكافية لتقييم المشروعات الإستثمارية.
6- الإخفاق فى أى من الدراسات المُتَضَمَّنة فى دراسات الجدوى، وبالتالى عدم سلامة ما يترتب عليها من دراسات حيث أن ما بُنِىَ على خطأ فهو خطأ، لذا فأى خطأ فى أى من الدراسات السابقة على الدراسة المالية والمحاسبية والإقتصادية للجدوى إنما يعنى نتائج غير سليمة، وبالتالى يصعب ضمان تحقق النتائج والأهداف المرجوة فى أغلب الأحيان.
وتأسيساً على أن الدراسات المالية والمحاسبية تأتى ترتيباً بعد باقى الدراسات التمهيدية والتفصيلية، ويليها التقييم المحاسبى والإقتصادى للمشروعات، وحيث أن هذه الدراسات المالية والمحاسبية يدخل فى إطارها تحديد كل من التكاليف والإيرادات الجارية المتوقعة وكذلك التدفقات النقدية المتوقعة الداخلة والخارجة وصافيها، إضافة إلى تحديد ما هو متوقع للتكاليف الإستثمارية وكذلك الإنفاق الإستثمارى المطلوب متضمناً رأس المال العامل اللازم لأول دورة تشغيل، ثم أنسب خلطة تمويلية مُدَنِّية لتكلفة الحصول على الأموال .... كل ذلك وغيره من جوانب مرتبطة بدراسات جدوى المشروعات الإستثمارية ونتائجها تحتاج بلاشك إلى تأكيد الثقة فيها والإطمئنان إلى سلامة إعدادها لإضفاء المصداقية عليها وضمان موضوعيتها وإمكان تحققها، مما يعنى ضرورة إخضاعها للفحص الفنى الموضوعى (المحايد) من منظور المراجعة الوقائية الشاملة لكافة جوانب دراسات جدوى المشروعات الإستثمارية.
وكم واجهت فروع للمراجعة من تحديات ومشكلات كالمراجعة الإدارية مثلاً بإعتبارها خروجاً عما كان مألوفاً وما يُعْهَد للمراجعة متمثلاً فى النواحى المالية والمحاسبية، حتى بدأ هذا الفرع المراجعى فى الإستقرار بفضل الجهد المبذول من الباحثين وغيرهم من المهتمين بالمجال من جمعيات وهيئات علمية ومهنية محلية وعالمية.
ونظراً لحداثة عهد المراجعة بدراسات جدوى المشروعات الإستثمارية فيعرض الباحث لأهميتها وموقعها من بعدى التوسع المراجعى الأفقى والرأسى بالإضافة إلى مشكلات ومتطلبات تطبيقها وإختبار مدى توافق مدخل الأنظمة الخبيرة لإتمام هذا النوع من المراجعة، مع الإستعانة بأنظمة دعم القرار للتغلب على حدود إستخدام الأنظمة الخبيرة فى مجال مراجعة دراسات الجدوى.
ويمكن عرض أهم نتائج البحث فيما يلى:
1- مراجعة دراسات الجدوى تمثل مراجعة وقائية شاملة تقوم على أساس الفحص الفنى الموضوعى لكافة مخرجات دراسات الجدوى للإطمئنان إلى سلامة نتائج هذه الدراسات وكذلك الفروض والقواعد والأسس التى بُنِيَت عليها.
2- مراجعة دراسات الجدوى تمثل بُعْدَى التوسع المراجعى الأفقى والرأسى، وينبغى إتمامها من خلال فريق عمل ضام لمتخصصين فى مجالات تلك الدراسات مع ضرورة تأهيلهم وتدريبهم بما يفى بالغرض المنشود، مع ضرورة إضفاء الحس المراجعى إليهم بصورة كافية.
3- تعتبر المسئولية عن نتائج دراسات جدوى المشروعات الإستثمارية مسئولية تضامنية بين كلا الفريقين سواء القائم بالدراسات أو القائم بمراجعتها، حيث أن كلاً منهما يُعد وكيلاً عن طالب الخدمة، مع وقوع الشق الأكبر من المسئولية على فريق المراجعة طالما أن النتائج ومصادر إشتقاقها لا تخرج عن حيز التنبؤ الموضوعى والفحص.
4- توظيف الأساليب الإحصائية مثل أسلوب الإنحدار والأساليب الوصفية كأسلوب دلفى، بالإضافة إلى أسلوب المقارنات وما يتيحه التحليل المالى والمحاسبى من أساليب لتعنى مزيداً من الثقة فى نتائج دراسات الجدوى ومراجعتها وتُزِيل كثيراً من أوجه التشكك فى النتائج الناجمة عن عدم التأكد، كما تساعد فى تحديد حدود الإختبارات المطلوبة كبديل عن عدم وجود نظام رقابة داخلية يمكن فحصه، وذلك بجانب التأكد من سلامة الفروض والأسس والقواعد التى أُعُدت دراسات الجدوى على أساسها.
5- يعتبر معيار ملاءمة الأسس والقواعد المتبعة هو الأولى بالإتباع بدلاً من معيار الثبات، وذلك لإختلاف مجال المراجعة وخصوصيته.
6- الأنظمة الخبيرة كأحد أساليب الذكاء الإصطناعى لها من المميزات ما يجعلها ملائمة لتطبيق مراجعة دراسات الجدوى خاصة وأن محددات ومتطلبات تطبيقها متوفر فى المجال المراجعى الجديد.
كذلك يمكن الإستعانة بالأنظمة الخبيرة لإزالة الفجوة بين التنظير والتطبيق بما ينعكس على تخريج الكوادر اللازمة للتعامل مع المشكلات الخاصة بمجال مراجعة دراسات الجدوى بالإضافة إلى تعميق خبراتهم عن طريق التدريب. ويمكن توسيع نطاق أنظمة دعم القرار لتشمل الأنظمة الخبيرة، وذلك لإجراء مراجعة فعالة لدراسات جدوى المشروعات الإستثمارية.
وقد خلص الباحث إلى التوصيات التالية:
1- ضرورة أن تنال مراجعة دراسات جدوى المشروعات الإستثمارية الإهتمام المتناسب مع أهميتها سواء لإثبات وجودها أو لمعالجة ما قد ينشأ من مشكلات ومعوقات عند تطبيقها، أو لتطويرها، ويقع عبء ذلك على الباحثين والمعاهد والمجامع العلمية والمهنية لجنى ثمار جدوى تطبيق هذا الفرع المراجعى الجديد، مع ضرورة وضع المعايير الملائمة للتطبيق وتحديد مسئوليات المراجع فى ضؤ هذه المعايير.
2- ضرورة دراسة إمكانية الإلزام بإتمام مراجعة لدراسات جدوى المشروعات الإستثمارية – ولتكن للمشروعات التى تتعدى إستثماراتها حد معين – قبل الموافقة على تنفيذها، وذلك كشرطا أساسي جنباً إلى جنب مع مراعاة تحقيق المشروع الإستثمارى لجدواه على المستوى القومى. ويراعى أن هذا النوع من المراجعة يمكن إتمامه من خلال مكاتب المراجعة الخاصة، ويجب حالة ما إذا تم ذلك مركزياً _ من خلال جهة معنية يحددها من يُلْزِم بالمراجعة _ أن يُرَاعَى وضع الضوابط الضامنة للتنفيذ الفعلى لعملية المراجعة من خلال آليات فاعلة محددة.
3- ضرورة عقد مقارنة – عند مراجعة دراسات الجدوى – بين معايير تقييم المشروعات فى الظروف المتوقع أن تسود، مع إعطاء أهمية خاصة لمراجعة المعايير غير المُعَدَّليَّة وغير النسبية، وهى المعايير المتعلقة بالأرقام المطلقة والتى عادة ما تكون مضللة ويصعب الإعتماد عليها دون تأكيد سلامتها
|