تمثل أخبار الطفيليين وثيقة فنية لها دلالاتها الأدبية والاجتماعية والسياسية والتاريخية والثقافية، والطفيلي ـ بوصفه الشخصية المحورية داخل الأخبار ـ في حجاجه واحتياله إنما يثور على المجتمع، فيخرج ليطلب حقه في العيش في قلب المجتمع، ولا عيشٌ بدون غذاء، حيث يمثل الطعام قضية جوهرية مطروحة في أخبار الطفيليين، وموقف الطفيلي من الطعام هو موقف الإنسان الذي لا يجد ما يأكله، ومن هنا يرى أن حقه الطبيعي أن يأكل ليعيش، ونتيجة لذلك يطفل على غيره، وفي تطفيله لا ينفصل عن واقعه؛ بل يراقبه عن كثب، وينقده بطريقته الخاصة، ويحتال عليه بأساليبه المتنوعة، حيث يُقبل الطفيلي على الموائد والولائم ـ دون دعوة ـ في ثقة، فهو يمتلك قدرة تمكنه من التغلب على خصمه/صاحب الوليمة بالحيل العجيبة، وسرعة البديهة، والذكاء الوقاد، وخصوبة الخيال، وبراعة التنكر والتمثيل، إلى جانب قدرته على تخدير خصمه تخديرًا عقليًا، يقوم على المناظرة ومقارعة الحجة بالحجة، ومن ثمًّ يقف عقل الخصم عاجزًا عن التفكير، وهنا سيرضخ ويُذعن تاركًا الطفيلي يمر ليدخل فيأكل. وقد يفتقد الطفيلي لصاحب الوليمة/المتلقي الذي يتجاوب مع حِجَاجه، فلا يجد من يقدر بلاغته البيانية وأساليبه الإقناعية، وفي هذه الحالة لن ينثني عن غايته، وهنا يستعيض عن الحجة بالقوة، ولا تعني القوة أنه سيحارب ليفرض نفسه على الطعام، ولكنه سيحتال بطرق تمثيلية أخرى، ستجدها مطروحة بين دفتي هذا الكتاب الذى يجمع أخبار الطفيليين الواردة بالكتب التراثية، ويرصد بلاغتهم الحجاجية، ويكشف عن الأنساق الخطابية والأبعاد الحجاجية، التي تبوح بها أخبار الطفيليين وأشعارهم. |