مع انعقاد المؤتمر العام السادس للحزب الوطني الديمقراطي اهتمت الصحف المصرية من خلال كبار كتابها بقضايا الفلاح وتوفير الغذاء, ومن المؤكد أن الإنتاج الزراعي في مصر يواجه مشكلات كثيرة تعوق تحقيق معدلات مناسبة من الاكتفاء الذاتي, بالإضافة إلي تقلبات الأسعار العالمية للسلع الغذائية التي تنعكس بصورة واضحة علي أحوال المزارع وعلي تكاليف توفير الغذاء للمصريين صعودا وهبوطا.
من المؤكد أن الجميع يتفق علي الأهداف والبرامج اللازمة للنهوض بالزراعة المصرية, ومن أهمها: رفع كفاءة الموارد الإنتاجية الزراعية لزيادة الإنتاج من نفس الموارد المتاحة إلي أقصي حد وزيادة معدلات النمو في هذا القطاع وتخفيض حجم الفجوة الغذائية إلي أدني حد ممكن, وتقليل الاعتماد علي السوق العالمية إلي أضيق الحدود في السنوات القادمة. وكذلك رفع المستوي الاقتصادي والاجتماعي للقرية والفلاح.
- التوازن بين السياسة الزراعية المصرية ومتطلبات الفلاح كما يلمسها في الواقع.
الكثير من الدول حققت هذه الأهداف بدرجات متفاوتة من خلال محورين رئيسين.
الأول, دعم نظام تعاوني زراعي علي الأسس التعاونية الصحيحة, حيث توفر التعاونيات قناة ملائمة من شأنها رفع مستوي دخول المزارعين الفقراء. من خلال معالجة مشاكل وتحديات تفتت الحيازة الزراعية, وتزود المزارعين بالمستلزمات الزراعية, وتوفر آليات لبيع منتجاتهم وتقدم الخدمات الاساسية الأخري مثل التسويق, والائتمان الزراعي, ومواجهة الأزمات الاقتصادية بشكل أفضل. والتعاونيات في مصر تواجهها تحديات وصعوبات عديدة رغم أن الفرص والقدرات الكامنة متوافرة.
في إطار ماسبق يمكن اقتراح عدد من آليات التنفيذ. أبرزها, إعادة هيكلة التعاون الزراعي القائم وهي الجمعيات والاتحادات الزراعية بما يتوافق وأنظمة الجودة الشاملة. طرح تعديلات قانون التعاون الزراعي رقم122 لسنة1980 علي الرأي العام والمهتمين وجمعيات الفلاحين, لضمان خروج تشريع متوازن وعادل يضمن تحقيق الأهداف التي نطمح فيها لدعم وحماية الحركة التعاونية والزراعة المصرية علاوة علي الاستفادة من التجارب الخارجية خاصة تجارب إنجلترا والمانيا وفرنسا والهند وغيرها من التجارب الناجحة. وضع نظام إداري فعال وبرامج متكاملة لإدارة الموارد البشرية للقائمين علي الاتحاد العام والجمعيات التعاونية. فضلا عن دراسة تملك الفلاحين المساهمين لعدد من شركات مستلزمات الإنتاج.
وتشجيع انشاء اتحادات انتاجية نوعية للمزارعين ودعم وزيادة فاعلية الاتحادات القائمة. وكذلك انشاء صندوق خاص بالكوارث وآخر لدعم السلع والانتاج الزراعي ومستلزمات الانتاج, وحماية السوق المحلية من الاحتكار بهدف وضع نظام سريع وفعال وعادل لتعويض الفلاحين. وتفعيل مبدأ التعاون بين التعاونيات من خلال شراكة بين التعاونيات الزراعية والاستهلاكية والانتاجية والسمكية وتطوير القدرات المالية للتعاونيات الزراعية بمساهمات الأعضاء, ودراسة مساهمة التعاونيات بأكبر حصة ممكنة في بنوك التنمية والائتمان الزراعي.
المحور الثاني, تفعيل دور الإرشاد الزراعي, حيث تتزايد أهمية الدور الذي يمكن أن يقوم به الإرشاد الزراعي في كثير من دول العالم لدفع عجلة التنمية الزراعية والريفية, وتحديث أساليب الإنتاج الزراعي, وعبور الفجوة التقنية التي تفصل بين الدول المتقدمة والنامية, حيث يلعب الإرشاد الزراعي دورا مهما في مجال التنمية الزراعية استنادا إلي التقدم الهائل في البحوث العلمية والتطبيقية لإحداث تقدم تكنولوجي زراعي, واستغلال الإمكانات الريفية عن طريق التجمعيات الإرشادية لمواجهة مشكلة تفتت الحيازات الزراعية. ورغم الجهود التي بذلت في السنوات السابقة تزداد أهمية وجود جهاز إرشادي قوي وفعال يستطيع الوصول إلي المزارعين والمنتجين الزراعيين وأصحاب المشروعات الزراعية من خاصة المشروعات الصغيرة وذلك من خلال مجموعة السياسات مثل: رفع الكفاءة الإنتاجية الزراعية والحيوانية والحشرية الاقتصادية, وتنمية وصيانة استخدام الموارد الطبيعية من مياه وأراض وغيرها, وتحسين النواحي التسويقية والتمويلية والزراعية, وتنمية المجتمعات الريفية بتطوير الخدمات والمرافق العامة, وتنمية المرأة والشباب الريفي.
في إطار ما سبق يمكن اقتراح آليات التنفيذ التالية:
إعاد هيكلة التنظيم الإرشادي الزراعي في مصر في ضوء التجارب الدولية التي ثبت نجاحها وتتناسب مع ظروفنا ودراسة وضع نظام للإدارة الاقتصادية للإرشاد الزراعي من خلال ربطه بالتعاونيات. وتدعيم وربط العلاقة بين الجامعات والمراكز البحثية وبين العاملين بالإرشاد الزراعي. وكذلك تطوير منهج إدارة المعرفة الزراعية بإعادة النظر في أساليب الاتصال, واستخدام منهج المشاركة من القاعدة إلي القمة في وضع تخطيط السياسات الإرشادية واتخاذ قرارات نابعة أساسا من احتياجات الفلاح, بالاضافة إلي وضع برامج تنمية بشرية حديثة ومتكاملة وتحسين خصائص العاملين, وبناء قدراتهم ورفع مهاراتهم الأساسية لممارسة النشاط الإرشادي الفعال. ووضع برامح جاذبة لتدريب وتأهيل المزارعين وتعليمهم علي الطرق الزراعية الجديدة والاهتمام بدعم وتطوير نظم المعلومات علي جميع مستويات التنظيم الإرشادي وربطها بالمتغيرات الداخلية والخارجية.
صفوة القول أن التعاون والإرشاد الزراعي هما بوابتا النهوض بالزراعة المصرية حيث إن هناك علاقة وثيقة بين التعاون والإرشاد الزراعي فكلاهما يهدف إلي النهوض بمستوي الفلاح المصري اجتماعيا واقتصاديا, وهما أيضا الآليتين الأكثر فاعلية لضمان نجاح وتحقيق المحاور الأخري لسياسة زراعية متكاملة تشتمل علي تضييق الفجوة في إنتاج الحبوب والمحاصيل الاستراتيجية, وبرامج تنمية الثروة احيوانية, والإدارة البيئية المتكاملة وتطوير نظم الري, وبرامج التسويق وتقليل فاقد الإنتاج والتداول, والتوسع في التصنيع الغذائي, مع الانفتاح علي العالم وفتح أسواق جديدة. |