تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على أساليب تعامل الحكومات المتعاقبة لمصر مع قضيتي أسلوب التنمية المعتمد لديها من ناحية، والقضايا المتصلة بالبيئة الأيكولوجية المصرية صوناً وتنمية، أو هدراً وتفريطاً – من ناحية أخرى إبان ما أصبح يعرف لدى الخاصة والعامة – على حد سواء – بالجمهورية الأولى (1952-2011) التي حكمت المجتمع المصري بين ثورتين بدأت أولهما بانقلاب قام به عدد محدود من ضباط الجيش 1952، لكن هذا الانقلاب، أو تلك الحركة المباركة – كما أسماها صانعوها – لم تلبث أن تحولت إلى ثورة فعلية – بكل المقاييس العلمية – بما اتخذته من إجراءات حذرية تواترت حتى بلغت ذرى متعددة لعل أولها تمثل في الإصلاح الزراعي بعد أقل من شهرين من قيام الانقلاب الثورة- مروراً بتأميم قناة السويس، ثم تمصير المصالح الاقتصادية.
ثم التوجه نحو أحكام السيطرة على النمو الرأسمالي فيما يسمى علمياً برأسمالية الدولة، وإن سميت تلك المرحلة – إعلامياً وسياسياً – بالتوجه الاشتراكي، ثم لم تلبث الأمور أن تغيرت نحو نقيض تاريخي واجتماعي وسياسي واقتصادي مع وفاة عبد الناصر، وصولاً إلى مصر تحت حكم أنور السادات الذي انتهج منهجاً نقيضاً فيما عرف بالانفتاح الاقتصادي اقتصاديا، والتطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني سياسياً، والانحياز المطلق للطبقات العليا على حساب الجماهير العريضة اجتماعياً، وهو ما مثل – في مجموعة – عودة – غير حميدة – إلى حظيرة التبعية للنظام الرأسمالي العالمي وهو الحال الذي استمر – بل وتفاقم – مع الرئيس التالي "محمد حسني مبارك" الذي أميل لتسمية مرحلة حكمه بالانبطاح حيث كان نموذجاً للتطرف في الخضوع المطلق لتوجهات إعادة التكيف الهيكلي والخصخصة التي تعني – في التحليل الأخير – تفكيك وبيع كل مصادر التنمية والنمو معاً، والتي يأمل كل مصري أن تكون قد انتهت بالفعل.
والشاهد أن كل مرحلة من هذه المراحل – وإذا ما استبعدنا حديث التخوين السهل – ارتبطت برؤية أيدولوجية اعتنقها كل رئيس، كما ارتبطت – بالقطع – بتحالف طبقي قائد في كل فترة تاريخية محددة كما ارتبطت – بطبيعة الحال – بدرجة من تطور النظام الرأسمالي العالمي وشكل محدد لنفوذه أُرت بلا شك على طبيعة كل مرحلة من تلك المراحل، وهو ما يأمل الباحث أن يوضحه في الصفحة القادمة.
|