اخترت هذا الموضوع لأنه يجمع بين ثلاثة محاور مهمة في الإبداع الإنساني عبر الثقافات هي الشعر والمسرح والتراث، دفعني هذا الاختيار للبحث عن أعمال تناسب الدرس الأدبي المقارن بين لغتي الأم واللغة التي تخصصت في علومها وآدابها وهي اللغة الصينية، ذلك لأن العمل في الأدب النقدي العلمي في دراسة نصوص أدبية بين حضارتين عريقتين تجسد كلاههما في مرآة الحداثة الأدبية من خلال المسرح الشعري عند علمين من أعلامه، يعد أمراَ هاما حينما نفترض أن المبدع الحداثي الصيني والمصري لم ينفصل عن تراثه وهو يصوغ تشكيله الجمالي محتفظا به في الرصيد الإنساني بما يعلن عن تواصل عبر الأزمنة والأمكنه.
سأعرض الأدبيات التي تتمثل في أهمية الموضوع وأهداف الدراسة وطريقة المعالجة والاتجاهات العامة للمراجع. كما أريد أن أشير إلى أن ترجمة الشعر الصيني والعربي المذكور بصفحات الرسالة تم من خلال اجتهادي المتواضع لنقل المعني الذي يريده الشاعر بعد أن تمثلته في مخيلتي وذهني.
إن أهمية موضوع البحث تنطلق من افتراض سعي المبدع الصيني والمصري للوصول إلى نماذج جمالية من التراث المحلي يتخذها علامة رمزية تشخّص سعيه إلى الحرية التعبيرية التي يستمد منها ثقته ومسئوليته التنويرية، فمنذ اندلاع ثورة الرابع من مايو ثار الجميع، خاصة الأدباء والكتُاب الذين قد تم قمعهم واحباطهم من قبل الثورة. فلقد استند هؤلاء الأدباء إلي الموروث الأدبي لديهم لينهلوا منه موضوعات تخص الحرية. فأخذ جواه موه روه من قصة قتل نيا تجينغ لشيا لي موضوعا له، تلك القصة التي كتبها سي ما تشيان (السجلات. القتله) قبل الميلاد.
تعمد جواه لاختيار زهرة الكرز على وجه الخصوص، لأن عمر زهرة الكرز قصير، ليصف البطلان بزهر الكرز الذي ضحي بنفسه في عمر الزهور العشرينيات.
لجأ صلاح عبد الصبور في مسرحيته الشعرية (مأساة الحلاج) لأخبار تراثيه انتشرت في العصر العباسي منذ أكثر من ألف سنة (مقتل الحسين بن المنصور).
استعمل كلا الأديبين الكبيرين ( التناص) وهذا المصطلح يعني استدعاء نص جديد لشبكة من النصوص السابقة عليه والمحيطة به، أي أن الإبداع حوار نصي. والتناص هنا مقصود من كلا الأديبين لتوظيف تجارب تراثية في نصوص معاصرة بغرض تحقيق الترابط الثقافي للهوية عبر التاريخ وقراءة الحاضر في جذوره وسياقاته الحضارية الممتدة في الذاكرة الجمعية وكشف أشكال التسلط على حرية الرأي بعمقها الزماني. وحين يناقش قضية التناص في أدب المحدثين ضمن مجال الدرس المقارن فإنه يمتد بالقضية عبر المكان أيضا.
طريقة تناولي في هذا البحث لقضية توظيف التراث في المسرح الشعري الصيني والمصري العربي اعتمدت على التعمق في تحديد الأصول والمصادر المانحة لمادة المسرحية الشعرية ودراسة تقنيات توظيفها طبقا لرؤية كل شاعر مسرحي وأهدافه.
هل المسرحية الشعرية عمل أدبي جديد أم أنه قديم؟ وهل كان للغرب تأثير على المسرح الشعري الصيني والمصري العربي؟ وكيف تطور هذا الشكل الأدبي، وكيف عكس الحياة الواقعية للمجتمع، من أين بدأ رواده؟ أسئلة بصدد كيفيه الإبداع وأشكال المسرح الشعري وخصائصه سعت هذه الدراسة للإجابة عليها.
نظرا لأن هذا الموضوع ” توظيف التراث في المسرحيتين الشعريتين زهرة الكرز ومأساة الحلاج“ يعد من الموضوعات الجديدة لذا كانت الاتجاهات العامة لاستخدام المراجع قائمة على التالي، أولاً: الرجوع إلى المصادر والمراجع الخاصة بالعمل الأولي في الصين ومصر، ثانيا: العمل على المسرحية الشعرية الخاصة بالأديبين.
استخدمت اتجاه المدرسة الأمريكية المقارن الذي يمضي من عرض نقاط التشابه بين عملين أدبيين من خلال الأسلوب، الشكل، التركيب، اللغة، المبادئ والمفاهيم وعرض نقاط الاختلاف. وذلك لوجود نوع من المماثلة الحضارية والمعرفية ظهرت في الإنتاج المسرحي عند جواه موه روه في الصين وصلاح عبد الصبور في المسرح بوصف المبدعين يمثلان قيمة في التأليف المسرحي الشعري النابع من رغبة في دمج الحداثة في التراث لقراءة تاريخ الأمة الثقافي في مرآة الإبداع.
يتكون هذا البحث من مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة وقائمة المراجع.
الباب الأول: توظيف التراث في المسرح الشعري في الصين ومصر، ينقسم هذا الباب إلى ثلاثة فصول، الفصل الأول: المسرح الشعري في الصين ومصر: النشأة والتطور.الفصل الثاني: أشكال توظيف التراث في المسرح الشعري في الصين ومصر في إطار مدرسة الشعر الحر. الفصل الثالث: توظيف التراث بين جواه موه روه وصلاح عبد الصبور.
الباب الثاني: زهرة الكرز لجواه موه روه ومأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور: التشكيل الشعري والبناء الدرامي، ينقسم هذا الباب إلى فصلين، الفصل الأول: توظيف التراث والتشكيل الشعري في(زهرة الكرز) و(مأساة الحلاج): - المعجم الشعري - الصورة والرمز. الفصل الثاني: توظيف التراث والبناء الدرامي في(زهرة الكرز) و(مأساة الحلاج): الشخصيات: التاريخية – المستحدثة، العلاقات بين الشخصيات، الأحداث وتصاعدها – بين الدراما المسرحية والحدث التاريخي، الفضاء المسرحي وتمثيل التاريخ (المكان والزمان).
الباب الثالث: غايات استلهام التراث في العملين، ينقسم هذا الباب إلى فصلين، الفصل الأول: مفهوم التناص، جذوره وأنواعه، الفصل الثاني: غايات التناص في زهرة الكرز ومأساة الحلاج: الحرية السياسية والاجتماعية/ مناقشة قضية المثقف والسلطة/ التضحية/ مسؤلية الإنسان تجاه وطنه/ مساحة التعبير وحرية الفكر.
وقبل أن اختم المقدمه أحب أن أشير إلى أنني طرف محايد في هذه الدراسة لست أدعي أن الحلاج شخصية ملائكية كما يعرضها عبد الصبور على الرغم من أنني وجدت في الطواسين إدعاء الحلاج النبوة والحلول أحيانا وقرأت أقواله التي لا تمت للحقيقة أو للواقع بصلة، إلا أنني عرضت وجهه الكاتب وتحيزه وتحمسه له، كذلك كان الحال مع الرئيس السابق جمال عبد الناصر، فأنا أكن له كل التقدير والاحترام، لكن كان لصلاح عبد الصبور رأيا آخر في اتهام نظامه بقمع الحرية ومسؤليته عن أحداث جسيمة خلال فترة الستينيات.
|