من الطبيعي أن تؤكد كل قضية فلسفية دائماً في قوة أنها شئ جديد. والعلة في هذا إن الأمور لا تسير على النحو الذي تظنه العامة لأول وهلة، فكل أمرئ يسير في حياته على نحو مختلف، وهنا تكمن بذرة المفارقات. إن الميل إلى المفارقة أظهر دائماً في كل الأزمنة تفضيله القوى للمخاطرة الجريئة. إن المفارقة هي معارضة الأفكار المأخوذ بها والمنقولة عبر التراث، وهي تستمد قوتها من شدة المعارضات.
إن الميدان المفضل للمفارقات هو الأخلاق ففيه شغلت الفلسفة بتحليل القيم السلوكية المعترف بها، وفي هذا الإطار ظهرت أفكار مثيرة وتيارات قوية صادمة. فقد اندفع أبيقور يعارض مفهوم اللذة الذي يقول به السقراطيون والسياسيون والناس أجمعين الذين يحلمون بالفضيلة، ولكن أبيقور يريد أن يبرهن على أن اللذة هي القيمة التي يسعى المرء إليها منذ عهد الطفولة، إلا أنه انتهى منها إلى جانب عقلي وروحاني.
أما المعرفة فأبيقور قد عارض أهلية العقل وحده للوصول إلى الحقيقة وقال بأن الادراكات الحسية يقينية، ومع ذلك اضطر أمام واقعة خداع الحواس أن يربط الادراكات الحسية ببعض الشروط. كل نظرية أخلاقية ومعرفية ذات قدر ومكانة تتطلع إلى الاعتماد على المفارقة من اجل تكوين قوتها الجاذبة.
|