يعد علم الاقتصاد الذي يبحث في السلوك الإنساني فيما يتعلق بإشباع حاجاته المتعددة
عبر موارده المحدودة لذلك يجب المحافظة علي تلك الموارد النادرة حتي يمكن تلبية تلك الحاجات المتعددة ، إلا أن هناك بعض الأزمات والأوبئة التي تحدث بصورة مفاجئة تؤثر علي إستدامة تلك الموارد بحيث لا تستطيع تلبية تلك الإحتياجات بالصورة المثلي ، وخاصة عندما تكون تلك الأزمات والأوبئة تستهدف الانسان وتهدد حياته دونما تمييز وتفضي إلي الوفاة العاجلة خلال مدة صغيرة جداً ، وتهديد الموارد البشرية أحد عناصر الإنتاج الضرورية في ظل عدم وجود العلاج الناجح لفيروس كورونا الذي تفشي في العالم بداية من الصين حتي إنتشر في كل أصقاع الأرض .
وتشير التقارير الاقتصادية والمالية والدولية والمحلية إلي أن تداعيات ازمة تفشي فيروس كورونا ستكون اكبر وأعمق علي الاقتصاد الدولي والاقتصادات المحلية ومن بينها مصر ، ولذلك يتوقع تأثر كافة القطاعات الاقتصادية في مصر بجائحة كورونا حيث ستؤثر سلبياً علي إحتياطات البنك المركزي من النقد الأجنبي نظراً لتوقف الاستثمارات الاجنبية المباشرة عن التدفق داخل مصر في ظل خروج الاستثمارات الاجنبية غير المباشرة من البورصة المصرية فيما يعرف بالأموال الساخنة ، وهو ما يفضي للتأثير سلبياً علي سعر صرف الجنيه بالانخفاض وتدهور قوته الشرائية نظراً لزيادة الطلب علي الدولار بإعتباره مخزن للقيمة في ظل إنخفاض المعروض منه وفي المقابل يزداد العرض من الجنيه المصري في ظل إنخفاض الطلب عليه ، وهو ما ينذر بتزايد معدلات التضخم إثر تزايد الطلب علي السلع والخدمات بدافع الاستهلاك وفي ظل إنخفاض المعروض منهما إثر توقف حركة الواردات وتباطؤ حرجة النقل الجوي والبحري بفعل إحتياطات جائحة كورونا ، وهو ما سيفضي لإرتفاع المستوي العام للاسعار ودخول الدولة في مرحلة من التضخم المتسارع الذي يؤدي لزيادة معدلات الفقر والفقراء .
وإثر إتخاذ الدولة للعديد من الإجراءات الوقائية لمواجهة جائمة كورونا بغرض الحظر الجزئي علي السكان وقطاع النقل والمواصلات من الساعة السابعة مساءً حتي الساعة السادسة صباحاً ، وضرورة ممارسة العزل والحجر الذاتي للاسر داخل المنازل للحد من تفشي الفيروس ومنع الاختلاط المباشر ، فإن تلك الاجراءات ستؤثر سلبياً علي توظيف العمالة في الاقتصاد بزيادة معدلات التعطل وإنخفاض معدلات الدخول للفئات الفقيرة ومحدودة الدخل ، حيث ستقل ساعات العمل يومياً وخفض أعداد العمال في أماكن التشغيل وإنخفاض الأجور تبعاً لإنخفاض مدة العمل المكلفين بأدائها في ظل الإجراءات المقيدة للعمل والتنقل والمواصلات .
ومن المتوقع تأثير جائمة كورونا علي قطاع السياحة المصري والتي تعد أحد مصادر مصر من النقد الأجنبي حيث ستنخفض أعداد السائحين والليالي السياحية وتتراجع بالتبعية الايرادات السياحية من النقد الأجنبي ، والتي تنعكس آثارها السلبية علي إحتياطيات الدولة من النقد الأجنبي وينعكس سلبياً علي إستدامة الدولة المالية في سداد المديونية الخارجية وتحقيق التوازن في عجز الميزانية وميزان المدفوعات ، ولذلك كان علي الدولة القيام بدور محوري لتلافي تداعيات تلك الأزمة علي الاقتصاد المصري بتقديم الحوافز المالية للقطاعات الاقتصادية سواء بخفض الفائدة علي القروض الانتاجية والاستهلاكية ، وتأخير سداد الضرائب العقارية والقيمة المضافة وضريبة الدخل علي أرباح الشركات لمدة ستة شهور لمساعدة الشركات والمؤسسات التجارية والمالية لتجاوز تلك الأزمة الصحية التي تلتها أزمات مالية ومصرفية وإقتصادية محلية ، وهذا فضلاً عن تقديم الحكومة لمائة مليار جنية لتجاوز تداعيات تلك الجائحة وهذا بالإضافة إلي صرف مرتبات العاملين بالحكومة كاملة دون خصم علي الرغم من تخفيض أعداد العاملين وساعات العمل ومنح النساء العاملات إجازة لرعاية أسرهم تاكيداً علي الدور الاجتماعي للدولة في رعاية الاسر والاطفال ، وهذا حفز دور القطاع الخاص علي القيام بالدور الاجتماعي في الاقتصاد في ظل هذه الأزمة . |