بعد الانتشار السريع لفيروس كورونا في أغلب أنحاء العالم ، وحتى وصوله إلى الشرق الأوسط ، فقد بات العالم على أعتاب أزمة اقتصادية كبيرة ، بسبب ظهور وتفشي الفيروس بالصين ثاني (أكبر اقتصاد عالمي) ، فالصين تعتبر ثان أكبر قوة اقتصادية على وجه الأرض، بالشكل الذي يجعلها فعلًا لا قولًا إذا ما تداعى اقتصادها يتداعى اقتصاد العالم أجمع ، فلا يخلو أي بيت في العالم من جهاز إلا ومنتج في الصين.
والأزمة الاقتصادية لن تطل الصين والدول التي ظهر بها الفيروس فقط ، بل حتى الدول البعيدة جغرافيا والتي لم يظهر بها الفيروس بصورة كبيرة بعد ، وبالإضافة إلى ذلك فإن دول الخليج على وجه الخصوص ستكون على رأس قائمة المتضررين ، فالبترول الخليجي والسعودي بشكل خاص يستورد منه الصينيون كميات كبيرة ، بالشكل الذي يجعل انخفاض الطلب على البترول من قبل الصينيين يسهم إسهامًا جوهريًا في انخفاض سعره العالمي .
والأزمة الحالية وتداعياتها تأتي في توقيت سيئ للغاية للاقتصاد العالمي في ضوء العديد من المتغيرات الاقتصادية والسياسية ، ذلك لأن اتساع بؤرة خطر انتشار الفيروس من الصين إلى جميع دول العالم أثر سلبًا على سلاسل التوريد ، والسياحة ، وحركة الطيران ، والسفر والتجارة والشحن ، وانعكست سلباً بانخفاضات وتذبذب الأسواق المالية بالإضافة الى تراجع أسعار النفط الى أدنى مستوياتها منذ 2014 ، ومن المحتمل أن تتطور المخاطر الاقتصادية إلى مخاطر مالية إذا لم تستجب الحكومات بما فيه الكفاية.
وعن الوضع في مصر وفي ضوء الوتيرة السريعة لانتقال العدوى إلى دول إضافية، وحسب ما ذكرته وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية في تقريرها عن " الآثار الاقتصادية العالمية الفعلية والمحتملة لتفشي فيروس كورونا، والتوقعات بشأن معدلات النمو الاقتصادي العالمي قبله وبعده " ، فإن التعافي السريع لم يعد من التوقعات المحتملة ، وفي الوقت نفسه إلى عدم كفاية تأثير السياسات النقدية لعلاج الأزمة الحالية ، بل يجب أن تمتد لتشمل سياسات حكومية لتعزيز قطاع الرعاية الصحية وتمويل سلسلة الإمداد والإقراض المصرفي والسيولة فضلًا عن آثار وانعكاسات فيروس كورونا المستجد على كل من توقعات حركة التجارة العالمية ، وعلى تدفقات صافي الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية ، وعلى أسعار النفط والغاز العالمية ، وعلى الأسواق المالية العالمية وخلال اجتماع المجموعة الاقتصادية ، سلطت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الضوء على الإجراءات والحزم التحفيزية الاقتصادية التي اتخذتها بعض دول العالم لمواجهة تداعيات انتشار وباء كورونا ، موضحة أن هناك دولًا اتخذت إجراءات نقدية ومالية في ذات الوقت، ودولًا أخرى اتخذت إجراءات مالية فقط أو نقدية فقط .
وعرضت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية ، " تحليلًا لمجالات التأثر الرئيسية في الاقتصاد المصري بسبب الفيروس والسيناريوهات المحتملة "، لافتة إلى الآثار المحتملة على مصر سواء على معدلات النمو الاقتصادي ، والتضخم ، والتدفقات النقدية الأجنبية ، والسياحة، وحركة الطيران ، والصادرات ، وقناة السويس ، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج ، وبورصة تداول الأوراق المالية ، والتأثير المتوقع على سلاسل التوريد .
وخلال الاجتماع استعرض طارق عامر، محافظ البنك المركزي " آليات التعامل المقترحة لمواجهة التداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا على الاقتصاد المصري"، والتي تضمنت إجراءات تم اتخاذها بالفعل من قبل البنك المركزي والتي تتعلق بتيسير الحصول على الخدمات المصرفية من خلال قيام البنوك بشكل فوري بإتاحة الحدود الائتمانية اللازمة لمقابلة تمويل العمليات الاستيرادية للسلع الأساسية والاستراتيجية ؛ بما يضمن تلبية طلبات الشركات المستوردة لها وعلى وجه الخصوص السلع الغذائية لتغطية احتياجات الأسواق، وإتاحة الحدود الائتمانية اللازمة لتمويل رأس المال العامل وبالأخص صرف رواتب العاملين بالشركات، ودراسة ومتابعة القطاعات الأكثر تأثرًا بانتشار الفيروس ووضع خطط لدعم الشركات العاملة بها، وكذا تأجيل الاستحقاقات الائتمانية للشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر لمدة 6 أشهر، وعدم تطبيق عوائد وغرامات إضافية على التأخر في السداد ، ووضع خطط عاجلة لزيادة الحدود الائتمانية مع البنوك الخارجية بما يضمن استمرار توفير التمويل اللازم لعمليات التجارة الخارجية .
وفيما يخص الإجراءات المتعلقة بالعمليات المصرفية التي تم اتخاذها بالفعل من قبل البنك المركزي ، لفت محافظ البنك إلي أنها شملت استمرار عمل مراكز الاتصال لدى البنوك للرد على استفسارات العملاء ، والتغذية الفورية لماكينات الصراف الآلي واجراء الصيانة الدورية لها والتواصل مع شركات نقل الأموال لضمان استمرارية العمل ، والاحتفاظ بإيداعات العملاء لتكوين احتياطات كبيرة من البنكنوت لدى شبكة الفروع ومركز النقد الخاصة بهم ، والعمل على استبدال المسحوبات النقدية بالمبالغ الكبيرة بتحويلات أو شيكات مصرفية مع إعفاء العملاء من المصروفات البنكية المترتبة على ذلك، وإلغاء الرسوم والعمولات المطبقة على رسوم نقاط البيع والسحب من الصرافات الآلية والمحافظ الإلكترونية لمدة 6 أشهر، وزيادة الحدود اليومية للتعامل ببطاقات الخصم والائتمان، وحث العملاء على تنفيذ المعاملات البنكية من خلال القنوات الالكترونية والبطاقات بدلًا من التعاملات النقدية وفي هذا الصدد لفت محافظ البنك المركزي إلى أنه يتم التحرك بشكل سريع وعاجل لمواجهة الأزمة ، بحيث يتم اعتماد سياسة مالية ونقدية توسعية والنظر في تقديم حزمة تحفيزية .
وأشار محافظ البنك المركزي إلى القرار المهم الذي اتخذته لجنة السياسات النقدية في اجتماعها الاستثنائي اليوم بتخفيض معدل الفائدة بواقع 3%، مؤكداً أن هذا القرار يهدف إلى دعم النشاط الاقتصادي بكافة القطاعات وأنه أخذ في اعتباره التوقعات المستقبلية للتضخم.
ويأتي هذا الاجتماع وسط تنامي القلق إزاء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) مع قيام السلطات الصينية بعزل ملايين الأشخاص في منازلهم لمنع انتشار المرض ؛ مما يؤدي إلى تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي .
فهل هذه الإجراءات كافية ام على الحكومات تقديم المزيد، وتعزيز الإنفاق الحكومي، وخفض الضرائب على العمال في المؤسسات، وتوفير المزيد من الأموال في أيدي المستهلكين. |