في ظل التقدم المذهل والمتسارع للتكنولوجيا الحديثة للمعلومات والاتصالات وفي عصر السماوات المفتوحة الحاملة للمعلومات والمعارف، بات لزاماً على المنظومة التعليمية أن لا تهتم باكساب الطلاب مجموعة المعارف والمعلومات والقوانين والنظريات العلمية فقط وإنما يجب أن يتعدى ذلك إلى تعلم المهارات اليدوية والعقلية والعلمية وتنمية الجوانب الوجدانية كالمشاعر والميول والاتجاهات والوعي والتفسيرات الإنسانية الراقية التي تساعد على تكوين علاقات إنسانية إيجابية بين البشر ومع سائر المخلوقات الكونية.
وقد أشارت بعض الكتابات إلى أن التربية الوجدانية تعد أحد متطلبات الحياة المعاصر وأحد خطوط الدفاع المهمة إزاء تحديات القرن الحادي والعشرين، و تحتاج المنظومة التعليمية بما فيها من طاقات بشرية مميزة إلى الإشباع الوجداني والتربية الوجدانية والإحساس بالجمال، وحيث أن من أهداف التربية بناء الشخصية المتوازنة المتكاملة- أي توازن جانبي الإحساس أو الوجدان والإدراك - وكذلك التكامل الاجتماعي أي توافق الجوانب الوجدانية والإدراكية والحسية والفعلية فقد بات من الضروري تحقيق أهداف التربية الوجدانية بما يضمن هذا التوازن والتكامل.
وعلى الرغم من أهمية الجوانب العاطفية والشعورية والانفعالية المميزة للإنسان عن سائر المخلوقات ظلت المنظومة التعليمية لسنوات عديدة تركز على تنمية الجوانب المعرفية على حساب التربية الوجدانية مما كان له آثار سلبية على سلوك الطلاب وتصرفاتهم ونرى نتائجها السلبية في كل مكان.
وتحمل التربية الوجدانية مهارات معينة للذكاء الوجداني ومنها وعي الفرد بمشاعره، ومشاعر الآخرين، وتحكم الفرد في انفعالاته والتعاطف مع الآخرين واكتساب المعلومات عن المشاعر والانفعالات المختلفة في دفع الفرد لذاته، الصلابة النفسية والكفاية الذاتية – التفاؤل – القدرة على مواجهة الضغوط.
وقد اتفقت بعض الدراسات على أن التربية الوجدانية تجمع بين الجانب الفعلي والانفعالي في كل متكامل بحيث يجعل التفكير أكثر نضجاً في الحالات الانفعالية وينظمها ويحصل الطالب أكثر قدرة على التكيف الفعلي في المواقف الاجتماعية وفي التعبير عن المشاعر وتحقيق الحب واحترام الآخر ومواجهة الصعوبات بثقة واستقلالية في الرأي وتحكم من الانفعالات.
وتعيش الشخصية العربية حالة من التغير الوجداني بسبب عوامل متعددة منها الانغماس في وسائل التكنولوجيا الحديثة وما بعدها وما حملته من الترويج المادي لكل المنتجات التكنولوجية والتي استجابت لها الشعوب العربية بصورة مبالغ فيها من التقليد والتغريب هذا كله في ظل غياب الحصون الوجدانية الذاتية لهذه المجتمعات، وهو ما أدى إلى اختلافات واضحة في الشخصية العربية على مستويات متعددة أفقدها القدرة على تحقيق التوازن في بنائها التربوي والثقافي والاجتماعي والتعليمي.
وعلى جانب آخر تطالعنا الصحف ووسائل الإعلام المختلفة وشبكات التواصل الاجتماعي بصورة عديدة من السلوكيات الغريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية ومنها العنف غير المبرر والانفعالات الحادة من قبل البعض والتي تعكس ضعف القدرة على الانتباه والإدراك الجيد للانفعالات والمشاعر الذاتية وفهمها وصياغتها بوضوح وتنظيمها والقدرة على إدارة انفعالات الآخرين وتقبلها بشكل مناسب، وذلك وصولاً إلى حالة من الرقي الانفعالي والمهني والاجتماعي.
إن فيض المعلومات التي تقدمها وسائل الإعلام المختلفة تعطل تطور القدرات التأملية والأخلاقية لدى المتعلم، وهذا ناتج عن االفترة الزمنية الطويلة التي يقضيها المتعلم أمام الأجهزة الإلكترونية حيث يصبح متلقياً سلبياً، وهذا يؤدي إلى تعطيل قدرته على التأمل والتحليل مما يقلل ملكة الفكر لديه.
إضافة إلى أن الإنترنت والبرامج التليفزيونية والإعلانات تؤدي إلى تعطل القدرات العقلية واللغوية والفكرية لدى المتعلم، وتجميد طاقاته الإبداعية كالتفكير والتخيل وذلك لأن المتعلم الذي يشاهد البرامج التلفزيونية وخاصة الخيالية منها يميل إلى محاكاة ما يرونه على الشاشة من شخصيات ومواقف تحوز على رضاهم واستحسانهم فيحصرون أنفسهم في تلك الشخصيات.
علاوة على أن نوعية الأفلام ونوعية الإعلانات التي تتخلل البرامج الإلكترونية المختلفة وهي كلها إعلانات عن سلع شديدة السطحية ليست لها علاقة حقيقية بالسلع المهمة التي من الممكن أن يحتاجها الفرد بل هي أشياء تجعله استهلاكياً.
ومن هنا يعيش المتعلم حالة من التغير الوجداني بسبب عوامل متعددة منها الانغماس في الوسائل التقنية الحديثة والترويج المادي لها والأمية الوجدانية وهو ما أدى الى اختلافات واضحة في الشخصية العربية على مستويات متعددة وقلل من قدرتها على تحقيق التوازن في بنائها التربوي والثقافي والاجتماعي والتعليمي.
وعلى الجانب الأهم تتعدد المستحدثات التكنولوجية التي يمكن توظيفها في تطوير التعليم والمنظومة التعليمية ومنها الويب "1" والويب "2" والويب "3" ومن أهم أدواتهم التعلم بالموبايل وتطبيقاته والمنصات التعليمية وبيئات التعلم الافتراضية وتطبيقات التعلم عبر الهاتف النقال.
ومن هنا بات لزاماً على المنظومة التعليمية توظيف المستحدثات التكنولوجية في إعادة بناء الجوانب الوجدانية للطالب العربي بما يضمن الشخصية المتوازنة المتكاملة القادرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات والبناء الإيجابي.
وبالتالي أصبح الهدف الكبير للتعلم هو تهيئة الطلاب للمساهمة في عالم العمل والحياة المدنية، أحد أهم التحديات في القرن الحادي والعشرين، ولا يمكن حل المشكلات الكبرى مثل ارتفاع حرارة الأرض ومعالجة الأمراض والقضاء على الفقر وغيرها دون نظام تعليمي قادر على إعداد كل مواطن فيه ليعلب دوراً جوهرياً في المساندة على حل المشكلات الجماعية (بيرني ترلينج، تشار لزفادل، 2013).
ومن هنا تحاول الورقة البحثية الإجابة عن التساؤلات الآتية:
1- ما واقع التقنيات الحديثة في تحقيق أهداف المنظومة التعليمية؟
2- ما واقع التربية الوجدانية في المنظومة التعليمية؟
3- ما دور التقنيات الحديثة في تحقيق أهداف التربية الوجدانية في المنظومة التعليمية؟
أهداف الدراسة:
سعت الدراسة الحالية الى استقصاء واقع التقنيات الحديثة في تحقيق أهداف المنظومة التعليمية ، واستقصاء واقع التربية الوجدانية في المنظومة التعليمية ، واستقصاء واقع استخدام التقنيات الحديثة في تحقيق أهداف التربية الوجدانية لدى الطلاب .
أهمية الدراسة: يمكن أن تسهم هذه الدراسة في:
1. القاء الضوء على واقع التقنيات الحديثة في تطوير المنظومة التعليمية من حيث المدخلات والعمليات والمخرجات.
2. تطوير مناهج التعليم في ضوء توظيف التقنيات الحديثة في تحقيق اهدافه.
3. تطوير المناهج الدراسية بما يساعد في تحقيق أهداف التربية الوجدانية.
4. الاهتمام بتطوير الأداء الوجداني لدى الطلاب، ومحو الأمية الوجدانية.
حدود الدراسة: التطبيق على عينة الدراسة وهم ( 100) معلم ومعلمة من معلمي التعليم العام من محافظة القليوبية بجمهورية مصر العربية.
|