الحمد لله ذي الجلال والإكرام والصلاة والسلام علي خير الأنام محمد بن عبد الله وعلي آله وصحبه ومن والاه وبعد :
فقد توصلت من خلال البحث إلي نتائج وتوصيات عديدة ، من أهمها ما يأتي :
1- المرض الوراثي عبارة عن مرض ينتج عن خلل في المادة الوراثية للإنسان وتتوارثه الذرية عن الآباء والأجداد .
2- تتعدد أقسام المرض الوراثي ، فمنها ما هو سائد ومنها ما هو متنحي ، ومنها ما هو متعلق بصبغي الجنس . وهي تتفق في مجموعها في الانتقال إلي الذرية وإصابتها بالضرر والإعاقة والتشوه ، لكنها تختلف في نسبة انتقالها إلي الأبناء ذكوراً وإناثاً .
3- لاحظ الإنسان منذ زمن طويل انتقال الصفات الوراثية الصحيحة والمعتلة عبر الأجيال ، وهو ما أكدته الشريعة الإسلامية بالنصوص في وقائع متعددة ، لذا حثت علي تخير كل من الزوجين للآخر .
4- يتوهم البعض وجود تلازم حتمي بين زواج الأقارب وإصابة الذرية بالأمراض الوراثية . لكن الحقيقة أن زواج الأقارب لا يعد بذاته سبباً مباشراً في الإصابة بالمرض الوراثي ، لكنه عامل مهم في حصول ذلك إذا كان السجل الوراثي للعائلة حاملاً لمرض وراثي .
أما إذا كان سجل العائلة نقياً من العلل الوراثية فإن النسل الناتج عن زواج الأقارب يكون أكثر صحة وأشد تميزاً لاجتماع الصفات الجيدة فيه من جانبي الأب والأم معاً ، وهو ما سبقت إليه الشريعة الإسلامية حيث ندبت زواج الغرائب حال ظهور ضعف بالنسل فقط .
5- يمكن التعرف علي حمل الشريط الوراثي للرجل والمرأة لبعض الأمراض الوراثية بواسطة الفحص الجيني ، ويشرع إجراؤه للمقبلين علي الزواج لكونه وسيلة لتوقي خطر انتقال المرض الوراثي منها إلي النسل ، وفقاً لقول غالب الفقهاء المعاصرين ، وهو ما رجحه البحث .
6- يجوز لولي الأمر إلزام المقبلين علي الزواج بإجراء الفحص الجيني ، لكونه تصرفاً يناط به جلب نفع عام للأمة ، لكن ينصح البحث المشرع الوضعي بالتروي في هذا الأمر لحين تهيئته الظروف الملائمة لتلقي هذا الإلزام وامتثاله وتلافي السلبيات والمفاسد المتوقعة في التطبيق .
7- يجب علي كل ذي شأن حفظ خصوصية نتيجة الفحص الجيني وسريتها وعدم استعمالها
في مواجهة أصحابها إلا في الغرض الذي أجريت له وهو الاستشارة في الزواج ، فهي أمانة في يد القائمين عليها يجب حفظها ، ويحرم كشفها لغير ذي صفة .
8- يجب علي الطبيب القائم بالفحص الجيني تبصير الطرفين المقبلين علي الزواج بنتيجة الفحص وتقديم النصح والمشورة الطبية لهما في إتمام الزواج وعدمه ، لأنه مستشار ، والمستشار مؤتمن ، ولأن إسداد النصح حق للمسلم علي أخيه .
9- يجب علي كل من الرجل والمرأة المقبلين علي الزواج تبصير الطرف الآخر بنتيجة الفحص الجيني الخاص به قبل الزواج ليكونا معاً على بينة من الأمر في الإقدام على الزواج وعدمه ، ودفعاً للغش والتدليس الذي يستلزم الحق في طلب التفريق بعد الزواج .
10- يجوز لولي المرأة الامتناع عن تزويجها بالمصاب بمرض وراثي ولو رضيت بذلك دفعاً للضرر عنها وعن ذريتها تخريجاً علي قول جمهور الفقهاء بأن له الحق في الامتناع عن تزويجها بشخص معيب .
11- ثبوت الحق في طلب التفريق بالعيب لكل من الزوجين عند جمهور الفقهاء غير الحنفية ، لأن كلاً منهما مفتقر إلى استعمال هذا الحق في دفع الضرر عنه وعن ذريته .
12- حصر جمهور الفقهاء للعيوب المسوغة لكل من الزوجين طلب التفريق في عيوب بعينها
إنما هو قضية ظنية ، لابتناء الحصر على ظن عدم حصول المماثلة بين تلك العيوب وغيرها في العلة ، ومن ثم يصح قياس ما يماثلها من العيوب وإن لم ينص عليه الفقهاء .
13- يثبت حق التفريق بالمرض الوراثي لكل من الزوجين صراحة علي قول العلامة ابن القيم ومن وافقه ، لاندراج المرض الوراثي في مفهوم العيب المسوغ للتفريق عنده ، وهو كل عيب ينفر الزوج الآخر ويمنع من استيفاء مقصاد الزواج .
ويثبت تخريجاً على قول جمهور الفقهاء ، وذلك بقياس المرض الوراثي علي الجذام والبرص بجامع النفرة وتعدي الضرر إلى الذرية .
14- التفريق بين الزوجين للعيب ومنه المرض الوراثي ليس مطلقاً ، بل مقيداً بالضوابط الفقهية المرعية عند الفقهاء .
15- تعد الفرقة الحاصلة بالعيب ومنه المرض الوراثي فسخاً لا طلاقاً في القول الراجح في البحث ، منعاً لتضرر الرجل بتبعات الطلاق المالية .
16- عدم وجوب شئ من المهر للمرأة عند حصول التفريق بالعيب قبل الدخول وفقاً لقول جمهور الفقهاء وهو الراجح ، نظراً لحصول الفرقة من جهتها سواء كان العيب بها أو بالزوج .
17- وجوب المهر المسمى في العقد للمرأة عند حصول التفريق بالعيب بعد الدخول وفقاً لقول جمهور الفقهاء ، وهو الراجح ، نظراً لثبوته بالعقد الصحيح وتأكده بالدخول ، فلا مبرر للعدول عنه إلي مهر المثل ، علي أنه يجوز للزوج حال كون العيب بالمرأة الرجوع بالمهر علي من غره في قول بعض الفقهاء .
18- يندرج المرض الوراثي في مفهوم العيب المسوغ للمرأة طلب التفريق في قانون الأحوال الشخصية (25 لسنة 1920 م ) ، وهو كل عيب مستحكم لا يمكن البرء منه مطلقاً أو يمكن يعد زمن طويل ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر ، وذلك أن الضرر هنا يعم ضرر الزوجة أو ذريتها ، وإن كان المشرع الوضعي قد خص الزوجة فقط بالحق في طلب التفريق للعيب دون الرجل .
19- يهيب البحث بالمشرع الوضعي المصري تخويل حق التفريق للعيب للرجل كالمرأة ، لافتقاره إليه في دفع الضرر عن نفسه وذريته كالمرأة ، مع جعل الفرقة الحاصلة للعيب فسخاً لاطلاقاً لتلافي الإضرار بالزوج ، وكذا تخويل الرجل حق الرجوع بالمهر علي من غره .
،،،،، وبعد : أسأل الله القدير أن يجعل هذا البحث سبباً للمغفرة والرحمة يوم الحساب لي ولوالدي ولأساتذتي ولكل مطلع عليه وممن يحب العلم ويوقر أهله . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلي الله عليه وسلم علي خاتم النبيين والمرسلين .
(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) |