إن أحد أهم مزايا القانون البحرى هو معرفة كيفية وضع المفاهيم الأصلية التى تلبى الإحتياجات الإقتصادية ، والتى تُعد إثراء للقانون ومفرداته .
وقد كان هناك ، لوقت طويل ، خلط بين الناقل من ناحية ، ومؤجر السفينة ومستأجرها من ناحية أخرى ، حتى أصبح الناقل يتمتع -اليوم - بنظام قانونى خاص به يكاد يكون هو محور إهتمام معظم الإتفاقيات الدولية التى تتعلق بالنقل البحرى للبضائع .
كما ظهر حديثاً نتيجة للتطورات التكنولوجية وإحتياجات التشغيل الحديثة الناقل بدون سفينة NVOCC ، وظهرت ، أيضاً ، الكثير من التحالفات والإتحادات الكبيرة والتى ليس من السهل تحديد وظائفها ومسئولياتها .
وتسعى النصوص الحديثة إلى تقنين تلك الممارسات ، وعلى سبيل المثال اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمسئولية مشغلى محطات النقل الدولى الصادرة فى 19 أبريل 1991.
كذلك قواعد هامبورج والتى كانت أول من استحدث مصطلح الناقل البديل ) الناقل الفعلى ) transporteur substitute le ، وذلك بجانب الناقل المتعاقد وهو الذى يبرم عقد النقل مع الشاحن . أما الناقل الفعلى فهو الذى يعهد إليه الناقل المتعاقد بتنفيذ النقل بأكمله أو جزء منه ، كما يجب أن يشمل أيضاً كل شخص آخر يُعهد إليه بهذا التنفيذ (م/1/2 ) .
ولم تنجو قواعد روتردام من هذا الحراك الدؤوب فى قطاع النقل البحرى ، حيث تبنت مصطلحات مبتكرة _ فى هذا الصدد_كالشاحن المستندى والطرف المسيطر والطرف المنفذ البحرى .
ففى عالم النقل حتى ولو كان داخلياً ، لا يمكن لشخص شخص وحيد أن يقوم بتنفيذ النقل بمفرده، بل لا بد له من مساعدين له يدورون فى فلك الأطراف الأساسية لعقد النقل وهما الناقل والشاحن . فتقسيم العمل حقيقة لا ينكرها عاقل . فالشاحن ، من ناحية ، يدخل فى علاقات متعددة مع كثير من الوسطاء كوكيل العبور أو وكيل النقل ، وأحيانا مقاول الشحن والتفريغ .
ومن ناحية أخرى ، فإن الناقل يستعين أيضاً بالعديد من المساعدين كالربان ، ومقاول الشحن والتفريغ .
ولما كان من النادر أن يتم تنفيذ النقل بواسطة شخص واحد فقط . فكان هناك الناقل المتعاقد ومجموعة من التابعين ، والناقل الفعلى ، والمنفذون .
وقد عُرف ، منذ زمن طويل ، ما يسمى بالطرف المنفذ فى نطاق نقل الركاب . حيث عرفته إتفاقية جوادا لاجارا ، المتعلقة بتوحيد قواعد النقل الجوى الدولى ، بأنه شخص آخر غير الناقل المتعاقد . كما عرفته إتفاقية وارسو بأنه ، شخص آخر غير الناقل المتعاقد ، بناء على إذن من الناقل ، يقوم بتنفيذ النقل بأكمله أو جزء منه . كما نصت هذه الأخيرة على خضوع الطرف المنفذ لنظام قانونى مماثل لذلك الذى يخضع له الناقل المتعاقد . وقد تبنت إتفاقية مونتريال ذات الفكرة .
وفى ذات السياق ، فإن إتفاقية أثينا وبروتوكولها الصادر عام 1992 ، والذى تم تضمينها فى لائحة نقل الركاب البحرية الصادرة فى يونيو 2009 ، قد أخضعت لقواعدها ليس فقط الناقل الذى بواسطته أو لحسابه يتم إبرام العقد ولكن أيضاً الناقل البديل ، وهو شخص آخر غير الناقل المالك أو المستأجر أو المشغل والذى ينفذ فعلياً النقل بأكمله أو جزء منه .
كذلك فإن إتفاقية النقل البرى CMR قد نصت على أنه : " يكون الناقل مسئولاً عن أفعال وإهمال ليس فقط تابعيه ، ولكن أيضاً عن جميع الأشخاص الآخرين الذين يلجأ إليهم لتنفيذ النقل ، وذلك أثناء ممارسة هؤلاء الأشخاص لمهمامهم " (م/3) .
فهذا النص ينظم المسئولية التعاقدية للناقل عن فعل الغير و فعل الناقل البديل .
أما إتفاقية بودابست المتعلقة بنقل البضائع فى الممرات الملاحية الداخلية CMNI ، وإتفاقية النقل بالسكك الحديدية CIM ، فقد كانت أكثر جرأة حين نصت على أن الطرف المنفذ يشبه إلى حد كبير الناقل المتعاقد .
وعلى ذات النهج سارت قواعد روتردام ، حيث كرست مفهوم الطرف المنفذ وعرفته فى المادة 1/7 منها . فالأطراف المنفذة ليسوا أطرافاً فى عقد النقل بالمفهوم الدقيق لهذه الكلمة ، ولكنهم أشخاصاً يساهمون فى تنفيذ عقد النقل . ومن ثم فقد تم إدخالهم فى الدائرة التعاقدية من قِبل الناقل .
موضوع الدراسة :
لعل من أهم الأحكام المستحدثة التى جاءت بها قواعد روتردام 2009 هى ما يتعلق منها بالطرف المنفذ البحرى . فقد إنفردت قواعد روتردام بتحديد مفهوم الطرف المنفذ البحرى وشروط إكتسابه لهذا الوصف ، كما حددت إلتزاماته وشروط إنعقاد مسئوليته الفردية ومسئوليته التكافلية والتضامنية مع الناقل المتعاقد . وكذلك منحته الحق فى دفع مسئوليته أو تحديدها شأنه فى ذلك شأن الناقل المتعاقد . كما منحت أصحاب الحق فى البضاعة الحق فى إقامة دعوى المسئولية ضده فى حالة ما إذا لحق البضاعة ضرر يتمثل فى هلاكها أو تلفها أو التأخير فى تسليمها .
و سوف نقتصر على دراسة المركز القانونى للطرف المنفذ البحرى فى ضوء قواعد روتردام 2009. أما بالنسبة للأطراف المنفذة غير البحرية ، فهى تخرج من نطاق تطبيق الاتفاقية منعاً للتعارض المحتمل بينها وبين الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية التى تحكم هذا الموضوع . ومع ذلك يظل الاحتفاظ بمصطلح " الطرف المنفذ " أمر ضرورى لتحديد فترة مسئولية الناقل عن أعمال الطرف المنفذ .
أهمية موضوع الدراسة :
لاشك أن قواعد روتردام هى ثمرة جهد دولى مكثف لإيجاد صك دولى يتوافق وما أفرزته التطورات التكنولوجية الحديثة فى مجال التجارة الدولية ، بصفة عامة ، والتجارة البحرية ، بصفة خاصة . ولذلك كان من الضرورى تسليط الضوء على جزء أساسى من هذه القواعد ألا وهو النظام القانونى للطرف المنفذ البحرى .
وتحتل دراسة النظام القانونى للطرف المنفذ البحرى أهمية خاصة فى مجال تنفيذ عقد النقل البحرى . حيث يمكننا فهم أثر مفهوم الطرف المنفذ البحرى على تنفيذ هذا العقد . ذلك أن تدخل الأطراف المنفذة البحرية فى تنفيذ عقد النقل وهم ليسوا أطرافاً به ، قد يبدو للوهلة الأولى خروجاً على مبدأ الأثر النسبى للعقود . صحيح أن الأطراف المنفذة البحرية يعدون من الغير بالنسبة لعقد النقل إلا أنهم يتدخلون فى تنفيذ هذا الأخير شأنهم فى ذلك شأن الأطراف الأصلية لعقد النقل .
كما تتيح لنا دراسة هذا الموضوع فهم الطريقة التى تهدف بها قواعد روتردام الى تنظيم تدخل الغير المنفذ لالتزام أو أكثر من التزامات الناقل الناشئة عن عقد النقل ، من خلال تحديد مفهوم الطرف المنفذ البحرى والتزاماته ومسئوليته التى قد تنعقد تجاه أصحاب الحق فى البضاعة المشحونة .
ويمكننا من خلال دراسة النظام القانونى للطرف المنفذ البحرى التعرف على ما إذا كان هذا النظام القانونى للطرف المنفذ البحرى يحقق مصالح الدول الشاحنة ، باعتبار أن جمهورية مصر العربية إحدى هذه الدول الشاحنة ، ومن ثم بلورة موقف وطنى بالتصديق على هذه الإتفاقية أو العزوف عنها
خطة الدراسة :
مبحث التمهيدي : تطور موقف المعاهدات الدولية من الطرف المنفذ .
الباب الأول : اكتساب وصف الطرف المنفذ البحرى والتزاماته .
الباب الثانى : مسئولية الطرف المنفذ البحرى .
|