مــوضــــوع البحــــث وأهميتــــه:
يعتبر البحث في أصل نشأة الدولة من أكثر المواضيع تعقيداً، وذلك لمرورها بمراحل عديدة منذ العصور القديمة، واعتبارها ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى بدايات ظهور الحياة الاجتماعية للإنسان.
وذلك لان البحث عن البذور الأولي للدولة يتعرض لصعوبات أهمها أن تاريخ البشرية موغل في القدم ويمتد الي عشرات الألوف من السنين قبل معرفة الكتابة، فالعصور التاريخية لا تمثل سوي جزء يسير من حياة البشرية. فلقد بدأ الإنسان حياته علي هذه الأرض، وهو يبحث دائماً عن الأفضل، وقد اضطره هذا إلي ترك حياة الكهوف والعزلة، والاتجاه إلى الحياة الاجتماعية، حيث فرضت هذه الحياه عليه أن يكون اجتماعياً بطبعه، إذ أنه لا يمكنه العيش بمفرده أو بعيداً عن أسرته التي تطورت علي مر العصور من هيئة صغيرة إلي عشيرة وقبيلة ثم إلي مجتمع إنساني، ونتيجة لهذا التطور زادت احتياجات الفرد وظهرت معه النزعة إلي الامتلاك، وتفضيل مصالحه علي الغير، مما اقتضي الأمر إلي ضرورة وجود تنظيم يساعد الفرد علي الحفاظ علي ممتلكاته وعلاقاته مع الأخرين. وعلي مر العصور ظهرت عدة سمات حددت نطاق هذا التنظيم تماشياً مع ظروف كل عصر، إلي أن ظهر مدلول الدولة الذي هو محل بحثنا.
يوجد اختلاط وتداخل كبير بين موضوع أصل نشأة الدولة وموضوع أساس السلطة السياسية فيها، ولئن أمكن فك الاشتباك والتداخل بينهما عن طريق اعتبار الأول الذي هو – أصل نشأة الدولة- مبحثًا تاريخيًا واعتبار الثاني الذي هو – أساس السلطة السياسية فيها- مبحثًا قانونيًا، فإن مثل هذه المحاولة لا تعدو ان تكون افتراضًا نظريًا يتعذر تنزيله علي أرض الواقع والقبول به عمليًا، وذلك لان الارتباط جد وثيق بين أصل نشأة الدولة والأساس الذي تقوم عليه السلطة السياسية فيها فالأول يعطي تفسيرًا واضحًا للثاني، ولأنه متي امكن تحديد أصل نشأة الدولة بدقة وتعيين الظروف التي أدت إلي ظهورها، فإن هذا سينعكس لا محالة علي موضوع الأساس الذي قامت عليه السلطة السياسية فيها بما يمكننا من استجلائه وتحديده.
وسبب هذا الاختلاط والتداخل ان الدولة لا تنشأ بكامل أركانها إلا بقيام السلطة السياسية علي إقليمها.
هذا ولقد ساق الفقه الدستوري والكثير من المفكرين والفلاسفة عدة نظريات مختلفة بشأن تحديد أصل نشأة الدولة والأساس الذي تقوم عليه سلطتها السياسية. حيث قام البعض بتقسيم هذه النظريات إلي مجموعات نوعية متقاربة، فنجد البعض يقسمها الي نظريات ديمقراطية وأخري غير ديمقراطية وذلك لقرب هذه النظريات أو بعدها من الفكرة الديمقراطية، ويقسمها البعض إلي نظريات دينية وأخري بشرية وذلك من حيث إرجاع النشأة إلي البشر او إلي قوي غير بشرية، ويري البعض إرجاع هذه النظريات الي اتجاهين اتجاه نظري وآخر واقعي او اتجاه غيبي وآخر علمي.
ولقد تناولت الدراسة نشأة الدولة في صدرها الأول وتطورها وصولاً إلي زماننا الحالي، حيث تعرضنا لمفهوم الدولة والعناصر المكونة لها والعوامل التي أدت إلي نشأتها حيث أنها اختلفت من مجتمع لآخر بحسب ظروفه الخاصة، ففي بعض المجتمعات كانت رابطة الدم ذات تأثير قوي في تطور الدولة لأنها كانت رباطا وثيقا في المجتمع وكان لها أهمية في حياة الفرد والعائلة والعشيرة والقبيلة التي ارتبطت فيما بينها فتكونت من مجموعها الدولة. كما كان للدين أكبر الأثر في تكوين الدولة في مجتمعات أخرى باعتباره الوعي الذي يشكل أفكار الأفراد وعاداتهم، وأحيان أخري كانت اللغة الواحدة أو العادات والأهداف المشتركة عوامل أساسية في نشأة الدولة.
وتم تقسيم موضوع البحث إلي أربعة أبواب تعرضنا في الباب الأول إلي مفهوم الدولة والنظريات المفسرة لنشأتها.
ثم تناولنا في الباب الثاني الدولة في حضارات الشرق القديم والإغريق وذلك شمل حضارة مصر الفرعونية وحضارة الهند وحضارة الصين، كما تعرضنا للدولة عند الإغريق من حيث معني دولة المدينة ودولة الامبراطورية، كما تناولنا أراء أشهر الفلاسفة في ذلك الوقت عن الدولة. وتناولنا في الباب الثالث تطور سلطة الدولة في أوروبا خلال العصور المختلفة بداية من العصور الوسطي وصولًا الي العصر الحديث.
وفي الباب الرابع الفلسفة والفقه الإسلامي تعرضنا لنظرية الخلافة الإسلامية والإشكاليات الشرعية والقانونية والاجتماعية، كما تناولنا الخلافة في الفقه والفلسفة الإسلامية عند أكبر المذاهب السنة والشيعة والخوارج والمعتزلة وفي أفكار المتأخرون والمجددون.
|