للحضارة الإسلامية الكثير من الوجوه المشرقة والنقاط المضيئة، ومن بينها مباني المكتبات الإسلامية، التي اتسمت بسمات مَيَّزَتها عن مثيلاتها من مكتبات الحضارات الأخرى؛ كتميز مواقعها، وعظمة مبانيها، وسعة مساحاتها، وجمالياتها، وأثاثها، كما تميزت أيضاً بالخدمات التي قدمتها مكتباتها؛ ما بين إتاحة القراءة من المصادر المتوافرة بها، والحصول على نسخة من هذه المصادر، عن طريق قيام المستفيد بنفسه بنسخ المصدر كله أو جزء منها، كما أتاحت لهم مواد الكتابة كالورق، وأدوات الكتابة كالأقلام والأحبار والمحابر، وفي بعض الأحيان تتيح لهم استعارة المصدر ذاته استعارة خارجية، وأعطتهم مكافآت، وأحياناً مرتبات شهرية، ووفرت لمستفيديها الضيافة والإقامة، إضافة إلى هذه الخدمات، وأتاحت أيضاً دروس العلم، والمحاضرات، والمناظرات، كما أتاحت بعض الخدمات الترفيهية، كالمنتديات الثقافية، والاجتماعية، وبعض الألعاب الترفيهية.
ومن أكثر النقاط المضيئة لهذه الحضارة عبقرية التوافق بين مباني هذه المكتبات وخدماتها؛ فقد توافقت مبانيها وتكاملت مع ما قدمته من خدمات؛ فاختير لها مواقع متميزة لإضفاء البهجة والسرور في نفوس المستفيدين، واحتلت مساحات فسيحة لتحوي المقتنيات الكثيرة المتاحة للاطلاع أو الاستعارة، ووفرت قاعات للمطالعة، وأخرى للمحاضرات، والمنتديات الثقافية، وقاعات للترفيه وإقامة الحفلات والأمسيات الغنائية، لتسمح بتقديم هذه الخدمات بأريحية شديدة، ووفرت لهم الأثاث المناسب لكل ذلك، فتوافق الأثاث والمبنى مع الخدمات.
ولإيضاح سمات مباني وخدمات المكتبات الإسلامية، باعتبارهما ظاهرة لا يمكن معرفتها وكشف هويتها إلا من خلال مصادر قد كُتِبَتْ من قبل، تم استخدام المنهج التاريخي، وهو المنهج الأنسب لذلك.
وخَلُصَتْ الدراسة إلى تميز مباني المكتبات الإسلامية، في موقعها، وسعة مبانيها، وتصميمها، وجمالياتها، وأثاثها، وأن هذه المكتبات قدمت خدمات: كالاطلاع الداخلي، والاستنساخ، والإعارة الخارجية، كما قدمت خدمات عجزت عن تقديمها بعض المكتبات العظيمة حتى في عصرنا الحالي، كتوفير مواد وأدوات الكتابة مجاناً، وضيافة وإقامة مستفيديها، وإعطاءهم المكافآت والمرتبات، وقد توافقت وتكاملت هذه المباني مع تلك الخدمات.
|