في البداية لابد أن أشير إلي أنه قد صار موضوع استخدام تقنية الحاسوب محل نقاش في وقتنا الحالي أكثر مما كان عليه من ذي قبل ، فاستخدام الحواسيب والأجهزة الأخرى التي تعمل بنظام حاسوبي صار جزءًا أساسيًا من حياة الأفراد حول العالم ، فمن النادر وجود شخص بمعزل عن استعمال تكنولوجيا المعلومات من خلال الحواسيب وشبكاتها .
ولما كان استخدام الوسائل التكنولوجية سلاحًا ذا حدين ، فإنه من الممكن استخدامها في أغراض قانونية مفيدة ، والعكس قد يتم استخدامها في أغراض غير قانونية وضارة . فقد يستخدم الأفراد الحواسيب في مجالات مفيدة لهم ، ومن قبيل ذلك استخدامها في الأغراض العلمية والثقافية والفنية والتجارية والتسوق والتواصل الإجتماعى عبر الشبكات ، وعلى النقيض قد يستخدمها في الترويج للصور والأفلام المخلة بالآداب العامة وإبرام الاتفاقات الإجرامية وغير ذلك من الأغراض الإجرامية المختلفة .
وكأثر محتم للاستخدام السلبي لتقنيات الحاسوب ظهرت صورة جديدة من صور الأدلة في مجال إثبات المسائل الجنائية وهو ما يعرف بالأدلة الإلكترونية أو الرقمية .
ويقصد بالأدلة الإلكترونية تلك الأدلة المتحصلة أو المأخوذة من الأنظمة الإلكترونية أو الحاسوبية بواسطة برامج أو تطبيقات تكنولوجيا خاصة ، وقد أثار هذا النوع من الأدلة عديدا من التحديات في مجال جمعها والحصول عليها ومدى قبولها أمام القضاء .
وتبدو أهمية وخطورة هذه الطائفة من الأدلة من نواح عدة ، حيث يصعب الوصول إليها والوقوف على مضمونها وذلك نظرًا للطبيعة غير الملموسة للبيانات الإلكترونية ، كما أن جمعها قد يتعارض مع الحق في خصوصية الأفراد وسرية مراسلاتهم الإلكترونية ، وذلك علاوة على تجاوز تلك الأدلة للحدود الإقليمية للدول ففي أغلب الحالات قد لا توجد هذه الأدلة في البلد الذي ارتكبت فيه الجريمة . ولذا أصبح على السلطات القضائية أن تتعامل مع نوع جديد من الأدلة في مجال إثبات المسائل الجنائية ، وكذلك بات على المشرع أن يتطور ليستوعب هذا النوع من الأدلة من خلال وضع الأطر والقواعد القانونية المناسبة للتعامل مع هذه الأدلة ، ولابد أن يشمل هذا التطور كلا من الجوانب الموضوعية والإجرائية .
وتدور هذه الدراسة حول دور الأدلة الإلكترونية في مجال الإثبات الجنائي ، وتتمثل أهميتها في ضرورة تطوير قواعد الإثبات بما يواكب التطور الهائل في مجال تقنيات الحاسوب ، وذلك بوضع إطار قانوني متكامل يقر بقبول هذه الأدلة الناشئة أو المستخرجة من النظم الإلكترونية ويحدد إجراءات الحصول عليها وضوابطها ، فيحدد إجراءات جمع الاستدلال وإجراءات التحقيق ويطورها لتتماشى مع طبيعة هذا النوع من الأدلة .
كما تتولى هذه الدراسة عرض وجهة النظر التشريعية في القوانين المقارنة بشأن إجراءات الحصول على الأدلة الإلكترونية وكذلك قبولها في ضوء النظم الجنائية المختلفة ، وكيفية التعامل معها والتأكد من مشروعيتها ، وكذا التأكد من مصداقيتها وصحة نسبتها إلى الجاني على نحو يجعل القاضي يستند إليها في تكوين عقيدته وبناء حكمه ، مع مقارنة ذلك بالوضع التشريعي القائم في النظام القانوني المصري للوقوف على أوجه القصور أو النقص أو الخلل في التشريع المصري بشأن التعامل مع الأدلة الإلكترونية وإقرارها .
|