مشكلة الدراسة:
يعد علم النفس الإيجابى واحداً من فروع علم النفس التى تهتم بالطاقات الإيجابية الكامنة لدى الأفراد ومحاولة إظهارها، والتغلب على الطاقات السالبة لديهم والقضاء عليها، ومن الموضوعات التى يرتكز عليها علم النفس الإيجابى مجال التفكير بشكلية الإيجابى والسلبى، وعلى الرغم من أهمية هذا الفرع من فروع علم النفس إلا أنه لم يلق الإهتمام بالبحث والدراسة فى حدود علم الباحث، والدراسة تأتى فى إطار علم النفس الإيجابى فى محاولة للتنبؤ بالتفكير الإيجابى/ السلبى من خلال المعتقدات المعرفية وفعالية الذات.
كما توصلت دراسة زياد بركات (2006) الى أن 40.5% من طلاب وطالبات الجامعة يظهرون نمطاً من التفكير الايجابى ، في حين 59.5% يظهرون تفكيراً سلبياً. ويشير بكار (2007) الى أن أكثر من 50% من طلاب وطالبات الجامعة يظهرون تفكيراً سلبياً ، ويعود ذلك الى عدة عوامل عدة لعل أهمها تصوراتهم حول عملية التعلم وفعالية الذات لديهم.
كما تشير دويك وليجيت ( Dweck & Leggett,1988) إلى أن معتقدات الفرد عن قدراته العقلية تلعب دوراً هاماً فى التأثير على إيجابية/ سلبية تفكيره، فالطلاب الذين يعتقدون فى أن قدرتهم العقلية ذات طبيعه فطرية ثابتة، يفتقرون إلى القدرات اللازمة للتغلب على مراحل الفشل التى يمرون بها لذا فإنهم يتوقعون السقوط فى الانماط السلوكية الفاشلة التى تدفع بهم إلى نتائج تحصيلية ومخرجات تعليمية منخفضة، ومن ثم فهم أقل قدرة على التفكير بصورتة الإيجابية مقارنة بالأفراد الذين يعتقدون أن قدراتهم العقلية تمثل كيان قابل للنمو والتطور وهو ما يمثل حائط منيع ضد السقوط فى الانماط السلوكية الفاشلة لذا فانهم ينظرون إلى الفشل على أنه حافز نحو تعلم مهارات جديدة، كما أنهم يستجيبون للفشل بشكل أكثر مرونة، وذلك من خلال السعى الدائب نحو تحقيق أهدافهم، كما انهم أكثر ثقة فى أنفسهم وبقدرتهم على إتخاذ القرارات المناسبة والمضى بها إلى حيز التنفيذ مع تحمل المسئولية التى تترتب عليها، مما يجعلهم يستطيعون مواجهة الصعاب والعقبات التى تتمضنها المواقف الجديدة، وبالتالى فهم أكثر قدرة على التفكير فى صورتة الإيجابيه.
وقد سعت دراسة ماك-ليود وسالامينو MacLeod and Salaminiou,2001)) إلى استخدام معادلة النمذجة البنائية للتحقق من نموذج بنائى لمسارات العلاقات القائمة بين المعتقدات المعرفية لعينة من طلاب الجامعة وقدرتهم على التفكير الإيجابى، وتوصلت الدراسة إلى أن المعتقدات المعرفية ذات تأثير دال ومباشر فى التفكير الإيجابى لطلاب الجامعة.
كما توصلت دراسة أندرو وكونواى ( Andrew and Conway, 2007) إلى أن هناك علاقة إرتباطية موجبة ذات دلالة إحصائية عند مستوى (0.05) بين المعتقدات المعرفية الناضجة لعينة من طلاب الجامعة وتفكيرهم بصورة إيجابية، ومن هنا يمكن القول أن الطلاب ذوى التفكير الإيجابى يميلون إلى الإعتقاد بأن معارفهم تنمو من خلال بذل مزيدٍ من الجهد والإصرار، وأن تلك المعارف تتكامل مع بعضها البعض فى صورة مفاهيم متكاملة، وأن للمعرفة مصادر مختلفة منها الملاحظة والاستدلال، وأن تلك المعارف والمعلومات تكتسب بشكل متدرج عبر المراحل العمرية والدراسية المختلفة.
وتأتى الدراسة الحالية فى إطار نموذج شومير Schommer (1990) للمعتقدات المعرفية، ذلك أن نموذج شومير من أكثر النماذج التى تناولت المعتقدات المعرفية بشكل تجريبى، وبصورة أكثر وضوحاً وتحديداً، و يعود ذلك الوضوح إلى البحوث والدراسات الإمبريقية التى تناولته واختبرته؛ ومن تلك الدراسات دراستا: (Schreiber & Shinn,2003, Bra°ten & Strømsø,2004 ) والتى سعت كل منهما إلى التحقق العاملى من مكونات مقياس المعتقدات المعرفية لشومير، وتوصلت الدراستان إلى تشبع مفردات المقياس على أربعة عوامل مستقلة تمثل كل منها معتقد من المعتقدات المعرفية طبقا لنموذج شومير.
ومن جانب أخر توصلت دراسة كل من: (Scheier, and Carver,2000; Salovay,1992; Caprara and steca,2006). إلى أن هناك علاقة إرتباطية موجبة ذات دلالة إحصائية عند مستوى (0.05) بين فعالية الذات طبقاً لمفهوم باندورا والتفكير الإيجابى وذلك لدى عينة من طلاب الجامعة.
كما يشير لايتسى وبويراز ( Lightsey and Boyraz, 2011) إلى أن فعالية الذات تعتبر أحد أهم محددات نمط تفكير الفرد، فالأفراد ذوى الدرجات المرتفعة من فعالية الذات يميلون إلى التفكير بصورته الإيجابية من خلال بذل مزيدٍ من الجهد، والإصرار على إخراج الطاقات الإيجابية الكامنة لديهم، والعمل على تنظيم المعلومات وربطها ببعضها البعض والبحث عن المعنى، فى حين يفتقد الأفراد ذوى الدرجات المنخفضة من فعالية الذات إلى الذات الإيجابية ومن ثم فهم يميلون إلى التفكير فى صورتة السلبية، والذى يتمثل فى تفضيل المهام السهلة التى لا تظهر قدراتهم ولا تتحدى إمكانياتهم، وتوقع الفشل بصورة مستمرة.
وتتحدد مشكلة الدراسة الحالية فى التساؤلين التاليين:
1. هل يمكن التنبؤ بالتفكير الإيجابى لدى عينة من طلاب الجامعة من خلال درجاتهم على بٌعدى مقياس المعتقدات المعرفيه المستخدم: المعتقدات حول التعلم، والمعتقدات حول المعرفة، ودرجاتهم على بعدى مقياس فعالية الذات: توقعات الفعالية الذاتيه، وتوقعات النتائج ؟.
2. هل يمكن التنبؤ بالتفكير السلبى لدى عينة من طلاب الجامعة من خلال درجاتهم على بٌعدى مقياس المعتقدات المعرفيه المستخدم: المعتقدات حول التعلم، والمعتقدات حول المعرفة، ودرجاتهم على بعدى مقياس فعالية الذات: توقعات الفعالية الذاتيه، وتوقعات النتائج؟.
مناقشة وتفسير النتائج:
من العرض السابق لنتائج التحليل الإحصائى لفروض الدراسة يمكن التوصل إلى مايلى:
1. تسهم المعتقدات المعرفية بصورتيها:( المعتقدات حول التعلم، والمعتقدات حول المعرفة)، وفعالية الذات بصورتيها:( توقعات الفعالية، وتوقعات النتائج) فى تفسير (60.8%) من التباين الكلى فى قدرة طلاب الجامعة على التفكير بصورة إيجابيه.
2. تسهم المعتقدات المعرفية بصورتيها:( المعتقدات حول التعلم، والمعتقدات حول المعرفة) فقط فى تفسير (16%) من التباين الكلى فى التفكير السلبى لطلاب الجامعة.
ويمكن تفسير ذلك فى إطار خصائص المرحلة العمرية والدراسية لعينة الدراسة، فأفراد عينة الدراسة من طلاب وطالبات الجامعة " مرحلة الرشد" يتسمون بالنضج العقلى والمعرفى، والذى يظهر بصورة واضحة فى معتقداتهم المعرفية الناضجة فهم لديهم تصور أن القدرة على التعلم تكتسب من خلال التفاعل الإيجابى مع الأخرين والأحداث المختلفة المحيطة بهم، وخصوصاً أن فترة التطبيق ( العام الجامعى 2011/ 2012) مليئة بالأحداث السياسية المتسارعه، كما أنهم يرون أن التعلم يحدث بشكل تدريجى فكلما أنتقل المتعلم من مرحلة دراسية إلى مرحلة دراسية أعلى كلما اكتسب كم وكيف أكبر من المعارف والمعلومات والخبرات والمهارات، كما أنهم يتصورن المعارف والمعلومات والخبرات التى يمتلكها الفرد تتطور وتتغير باستمرار بتغير الأحداث والظروف المحيطة، كما أنهم يرون أن تلك المعلومات والخبرات لأبد وأن تقوم على الأدلة التجريبية القائمة على الاستدلال واستخدام الدليل والبرهان، وليست مجرد معلومات تكتسب من السلطة الخارجية سواء أكانوا معلمين أم أباء.
كما أن المشاركين فى عينة الدراسة يتسمون بتصورات إيجايبة حول ذواتهم، كما أنهم يتوقعون مستقبلا أكثر إيجايبية خصوصاً أن الأحداث المحيطة المصاحبة والمتمثلة فى تغيير نظام سياسى قائم بنظام جديد منتخب يعطى مزيد من الأمل والتفاؤل فى النظرة إلى الغد وإلى الذات، وبالتالى ينعكس ذلك فى زيادة إيجابية التفكير لدى طلاب الجامعة.
كما يمكن تفسير ذلك فى إطار دراسة ماك كينى Mc Kinney, 2003)) والتى تشير إلى أن فعالية ذات الفرد تنعكس فى القدرة على الثبات الإنفعالى والتقييمات الإيجايبية للذات والأخر والمواقف المختلفة المحيطة، كما أنها تساعد الفرد على أن يكون ذوى مركز تحكم داخلى يدفعة إلى بذل مزيد من الجهد والمثابرة والإيجابية فى التفاعل مع الأحداث والموقف المختلفة، ومن هنا تظهر القدرة التنبؤية لفعالية الذات فى قدرة طلاب الجامعة على التفكير الإيجابى، ومن جانب أخر تنعكس فعالية الذات المنخفضة المتمثلة فى تصورات سلبية للذات وللنتائج المتوقعة من الأحداث المختلفة فى الأفكار السلبية لدى طلاب الجامعة.
كما يمكن تفسير ذلك فى إطار دراستى:( pintrich, 2000,Nnna, 2006 )، واللتان توضحان المحكات التى يستخدمها الطلاب ذوى المعتقدات المعرفية الناضجة، وفعالية الذات المرتفعة فى الحكم على كفاءتهم وذواتهم، والتى تمثل الاساس فى التعامل مع المادة المتعلمة، فالطلاب ذوى المعتقدات المعرفية الناضجة، وذوى فعالية الذات المرتفعة يميلون إلى إستخدام مجموعة من المحكات القائمة على التعرف على الذات بهدف تحسينها وتطويرها من جانب، والتعرف على المادة المتعلمة وعناصرها من جانب اخر بهدف الفهم العميق لها واستيعابها، والبحث عن عامل المعنى فى التعامل مع الأفكار والخبرات المختلفة، مما ينعكس بشكل إيجابى فى تفكيرهم عند التعامل مع المشكلات والأخرين والأحداث المحيطة، فى حين يستخدم الطلاب ذوى المعتقدات المعرفية الدُنيا، وذوى فعالية الذات المنخفضة مجموعة من المحكات تقوم على التعامل السلبى مع المواد التعليمية المختلفة والتى تتمثل فى الحفظ والاستظهار، والبعد عن المهام التى تتحدى قدراتهم، وتجنب الغموض فى المهام المختلفة، مما ينعكس فى تفكيرهم السلبى فى التعامل مع الأحداث والمشكلات والمواقف المختلفة.
ويمكن تفسير ذلك فى إطار نموذج دويك وليجيت ( Dweck & Leggett,1988) لمعتقدات الفرد عن قدراته العقلية، فالطلاب ذوى الميول الإحجاميه يعتقدون فى أن قدرتهم العقلية ذات طبيعه فطرية ثابتة، ومن ثم فهم يفتقرون إلى القدرات اللازمة للتغلب على مراحل الفشل التى يمرون بها لذا فإنهم يتوقعون السقوط فى الانماط السلوكية الفاشلة التى تدفع بهم إلى التفكير بصورة سلبية والتعامل مع المشكلات المختلفة بصورة سلبية، والنظرة الدونية للأحداث والمواقف، ومن جانب أخر يتسم الطلاب ذوى الميول الإقدامية بالإعتقاد فى أن قدرتهم العقلية تمثل كياناً قابلاً للنمو والتطور، وهو ما يمثل حائط منيع ضد السقوط فى الانماط السلوكية الفاشلة لذا فانهم ينظرون إلى الفشل على أنه حافز نحو تعلم مهارات جديدة، كما أنهم يستجبون للفشل بشكل أكثر مرونة، وذلك من خلال السعى الدائب نحو تحقيق أهدافهم، كما أنهم اكثر ثقة فى أنفسهم وبقدرتهم على إتخاذ القرارات المناسبة والمضى بها إلى حيز التنفيذ مع تحمل المسئولية التى تترتب عليها، مما يجعلهم يستطيعون مواجهة الصعاب والعقبات التى تتمضنها المواقف الجديدة بشكل إيجابى يتمثل فى التفكير الإيجابى عند التعامل مع الأحداث المختلفة.
البحوث المقترحة:
فى إطار ما توصلت إلية الدراسة من نتائج يمكن التوصية بإجراء البحوث والدراسات التالية:
1. إعداد دراسة طولية للكشف عن طبيعة المعتقدات المعرفية وتأثيراتها المختلفة على التفكير الإيجابى.
2. إعادة إجراء الدراسة الحالية على عينات متباينة من الطلاب ذوى التخصصات الأدبية، والعلمية ومقارنة النتائج بالدراسة الحالية.
3. الكشف عن طبيعة المتغيرات محور اهتمام الدراسة الحالية لدى عينات مختلفة من الطلاب ذوى الفئات الخاصة ( صعوبات التعلم، والمتآخرين دراسياً، وبطئ التعلم).
|