يتناول هذا البحث موقف ابن هشام من آراء ابن جني في كتاب مغني اللبيب، ويستمد هذا الموضوع أهميته من نقطتين أساسيتين هما :
الأولى: مكانة هذين العلمين بين علماء العربية ، فابن جني هو من قال عنه صاحب دمية القصر :" ليس لأحد من أئمة الأدب في فتح المقفلات وشرح المشكلات ما له ، ولاسيما في علم الإعراب "( ) وأما ابن هشام فقد قال عنه ابن حجر العسقلاني :" أتقن العربية ففاق الأقران بل الشيوخ وانفرد بالفوائد الغريبة والمباحث الدقيقة والاستدراكات العجيبة والتحقيق البالغ ، والاطلاع المفرط ، والاقتدار على التصرف في الكلام "( ).
الثانية : أهمية كتاب مغني اللبيب في المكتبة العربية ، فهو كما قال عنه ابن خلدون ( ): ديوان جمع فيه ابن هشام كثيرا من القضايا النحوية ، وما قيل فيها من آراء للنحاة السابقين ، تناولها ابن هشام بالنقد والتحليل ، فهو موسوعة نحوية بحق .
ومن جملة هذه الآراء رأي ابن جني الذي ساقه ابن هشام في اثنتين وخمسين مسألة ، خالفه في أكثرها ، ونعت بعضها بأنه ضعيف ، وقال عن
بعضها الآخر بأنه فاسد وشاذ ، وتارة يقول عنه : إنه بعيد ، أو إنه ادعاء أو من قبيل الزعم ؛ كل هذا دفعني إلى تناول هذا الموضوع بالبحث والتحليل .
وقد جاء عملي في هذه الدراسة وفق المنهج الوصفي التحليلي والإحصائي ، فكانت الخطوات التالية :
أولا : قمت بإحصاء كل المواضع التي ورد فيها رأي لابن جني في مغني اللبيب .
ثانيا : تحققت من صحة نسبة هذه الآراء إلى ابن جني وذلك بالرجوع إلى كتبه المتاحة لدي ، وقد نبهت على ذلك في كل موضع من مواضع الدراسة .
ثالثـا :عرضت رأي ابن جني على غيره من آراء النحاة القدماء منهم والمحدثين ؛ لأوضح مكانة رأيه بين غيره من الآراء .
رابعا : بينت موقف ابن هشام من آراء ابن جني .
وقد تطلب مني هذا العمل الرجوع إلى المكتبة العربية بما تحتويه من مراجع نحوية ولغوية ، ومعاجم ، وتفاسير قرآنية ، وكتب القراءات ، وأعاريب القرآن الكريم .
وقد نهضت هذه الدراسة على تمهيد وثلاثة فصول ، بيانها كالآتي :
التمهيد : قدمت فيه نبذة مختصرة عن كل من ابن جني، وابن هشام.
الفصل الأول: عرضت فيه المسائل التي لم يبد ابن هشام رأيه فيها.
الفصل الثاني: تناولت فيه المسائل التي وافق فيها رأيَ ابن جني.
الفصل الثالث: ذكرت فيه المسائل التي خالف فيها رأيَ ابن جني.
وقد جاءت المسائل في كل فصل من الفصول السابقة مرتبة على حسب ورودها في مغني اللبيب .
ثم أعقبت هذا بخاتمة ، ذكرت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة ، ثم ختمت هذه الدراسة بالفهارس الفنية .
ولا يفوتني في هذا المقام أن أتوجه بخالص شكري إلى معلمي وأستاذي الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم عبادة ؛ لنصائحه السديدة التي لا يبخل بها على من يعرف ومن لا يعرف ، فالله أسأل أن يجعل ذلك في ميزان حسناته ، وأن يجزيه خير الجزاء . كما أن الشكر موصول إلى الأستاذ الدكتور محمد عبد المجيد الطويل الذي عهدته نصوحا في كل لقاء يجمعني به ، فجزاه الله عني خير الجزاء .
وبعد فهذا جهد متواضع أردت به وضع لبنة صغيرة في هذا الصرح الشامخ ، صرح الدراسات اللغوية ، فإن كان هناك توفيق فهذا من فضل ربي عليّ ، وإن كان هناك تقصير ونقص فهذا من نفسي ، وحسبي ما بذلت فيه من جهد ، والله أسأل أن يتقبل منا عملنا هذا ، وأن ينفع به .
|