تعد الموشحات الأندلسية - كما قال ابن خلدون - من أكثر الفنون الأدبية التي شملها الدارسون للأدب الأندلسي بعنايتهم ، وهذا لا غرابة فيه ؛ فالموشحات فن تفرد به أهل المغرب وامتازوا به على أهل المشرق وتوسعوا في فنونه ، وأكثروا من أنواعه وضروبه .
وقد استرعى انتباه الباحث أن كثيرا من الباحثين قد هرولوا – في النصف الثاني من القرن السابق – صوب دواوين الشعر العربي محاولين الوقوف على أنماط الجمل لدى الشعراء، ومدى مطابقة الواقع اللغوي لديهم لآراء النحاة ، ومع هذا لم يلتفت أحد منهم إلى الموشحات الأندلسية بغية الوقوف على أنماط الجمل فيها ، وهذا لا يعني أن الموشحات الأندلسية لم تكن مبعث اهتمام الباحثين ، وإنما كان اهتمامهم منصبا على الموشحة بصفته فنا أدبيا جديدا ، له أصوله وقواعده التي يتميز بها عن غيره من الأجناس الأدبية الأخرى ، أما الناحية اللغوية والتركيبية فلم تظفر باهتمام الدارسين ، وظلت في منأى عن تناولهم لها .
وقد كان الدافع وراء اختياري لهذا الموضوع يكمن فيما يأتي :
أولا : شعوي بأهمية هذا الموضوع ؛ لأنه يلقي الضوء على فترة ناصعة من تاريخ لغتنا العربية، من خلال الدراسة الوصفية الدقيقة لجانب من جوانبها ، وهو بناء الجملة أو دراسة الجملة دراسة نحوية .
ثانيا : نالت الموشحات الأندلسية عناية فائقة قديما وحديثا ، وثارت حولها مناقشات حول مكانتها من الشعر العربي.
ثالثا : لم تبحث الموشحات الأندلسية من الجوانب اللغوية ، ومنها بناء الجملة ، فالموضوع لا يزال بكرا بما فيه من خصوبة وثراء .
رابعا : مثل هذه الدراسة أشبه بالدراسة الميدانية منها إلى الدراسة النظرية ؛ لأنها تقوم على الاتصال المباشر بالواقع اللغوي ، وذلك من خلال ديوان الموشحات الأندلسية ، للدكتور: سيد غازي ، والذي يعد بحق مصدرا خصبا لمادة الدراسة ، وذلك للأسباب التالية :
الأول : يعد هذا الديوان أول كتاب يضم بين دفتيه هذا العدد الهائل من الموشحات الأندلسية ، حيث وصل عددها إلى أربعمائة وسبع وأربعين موشحة ، ما بين كاملة ومقطوعة ، وذلك لسبعين وشاحا ، فضلا عن المجهولين .
الثاني : لم يقتصر الدكتور غازي في ديوانه على التمثيل بالموشحات لعصر دون عصر ، وإنما جاء ديوانه شاملا العصر الإسلامي كله في الأندلس ن بدءا من العصر الأموي الذي مثل له بموشحتين ، ومرورا بعصر الطوائف الذي مثل له بثمان وسبعين موشحة ، ثم عصر المرابطين الذي مثل له بمائة وسبع موشحات، ثم عصر الموحدين الذي مثل له بمائة وسبع وخمسين موشحة ، وانتهاء بالعصر الغرناطي الذي مثل له بخمس وخمسين موشحة ، أتبعها بثمان وأربعين موشحة لوشاحين مجهولين.
الثالث : لم يكتف الدكتور غازي في جمع وتوثيق الموشحات الأندلسية على المصادر المغربية فقط ، وإنما ضم إليها المصادر المشرقية ، فضلا عن دواوين الشعر الأندلسي .
هذه هي أهم الأسباب التي دفعتني إلى الاعتماد على هذا الديوان الذي هو في حقيقة الأمر نتاج أكثر من عشرين مصدرا من مصادر الموشحات الأندلسية .
كل هذا جعلني أشمر عن ساعد الجد محاولا النظر في الموشحات الأندلسية والوقوف على أنماط الجملة الخبرية ، وعرضها على آراء النحاة والبلاغيين؛ لمعرفة ما طرأ على اللغة العربية خلال مسيرتها في هذه البيئة الجديدة – بيئة الأندلس – وقد ظننت في بداية الأمر أن تناول الموضوع يسير ، فالأمر لا يعدو إلا أن أقوم بإحصاء الجملة الخبرية ، ثم أقوم بتصنيفها إلى أقسام وأنماط وأشكال ، ثم أقوم بعرض هذه الأنماط على آراء النحاة والبلاغيين ، ولكن سرعان ما تبدد هذا الظن ، وأصبح بعيد المنال ، ووجدت نفسي في مواجهة بعض الصعاب ، أهمها :
أولا : وفرة المادة اللغوية المدروسة ، حيث بلغ عدد الموشحات في ديوان الموشحات الأندلسية أربعمائة وسبع وأربعين موشحة ما بين كاملة ومقطوعة ، وهي تحتاج إلى كثير من الصبر والجلد ، بغية الوقوف على معانيها ، وتصنيف الجمل فيها .
ثانيا : لم يقم أحد بشرح الديوان مما جعلني أرجع – بين الحين والآخر – إلى كتب اللغة والمعاجم لأستوضح معنى مفردة من المفردات مما سبب لي كثيرا من المشقة .
ثالثا : عرض أنماط الجملة في الموشحات الأندلسية على آراء النحاة تطلب مني الوقوف على كل صغيرة وكبيرة من دقائق التراكيب في النحو العربي .
وقد اقتضت طبيعة البحث الاستعانة ببعض كتب اللغة والمعاجم ، وبكثير من كتب النحو والصرف وحروف المعاني ، القديمة منها والحديثة .
وكان لابد من اعتماد منهج للدراسة ، فكان كالآتي :
• المنهج الإحصائي : من خلاله قمت باستقراء الجمل الخبرية وإحصائها ، ثم قمت بتصنيفها - انطلاقا من معيار الدلالة – إلى جملة مثبتة ، وثانية منفية ، وثالثة مؤكدة ، ثم أفردت الجملة المسبوقة بناسخ – أقصد الفعل الناقص – بباب مستقل، ومع علمي التام بأن الإحصاء يقوم على الانتقاء وليس على الاستقصاء ، فإنني وجدتني مضطرا – في كثير من المواضع – لذكر كثير من الشواهد ممثلا بها على نمط ما ، والسبب في ذلك يعود إلى أنني أتناول بالتحليل ديوانا يضم بين دفتيه نصوصا لسبعين وشاحا ، فضلا عن المجهولين ؛ لهذا حرصت على الاستشهاد بشاهد واحد لكل وشاح مخافة أن أتهم بترك بعض الشواهد لبعض الوشاحين ، إذا استشهدت بشواهد بعضهم دون بعضهم الآخر .
• المنهج الوصفي التحليلي : قمت في ضوئه بتحليل أنماط الجملة الخبرية ، سواء أكانت مثبتة أم منفية أم مؤكدة أم مسبوقة بناسخ ، وقد اكتفيت بالعناصر الأساسية المكونة للجملة ، وتجاوزت العناصر الإضافية ، ثم قمت بعرض أنماط الجمل على آراء النحاة؛ لنرى مدى مطابقة الواقع اللغوي في الموشحات الأندلسية لما قرره النحاة .
وقد اقتضت طبيعة هذا البحث أن يأتي في تمهيد ، وأربعة أبواب ، تناولت في التمهيد مفهوم الجملة باختصار غير مخل ، ثم ألقيت الضوء على الموشحات الأندلسية والوشاحين، بالقدر الذي يتطلبه البحث .
أما الباب الأول : فقد جعلته للجملة المثبتة ، وبدأته بتوطئة بينت فيها معنى الخبر ، وقد جاء هذا الباب في فصلين :
الأول : تناولت فيه الجملة الاسمية ، بدأته بتوطئة بينت فيها معنى الجملة الاسمية وأهم أركانها ، وقد جات عل سبعة أقسام.
الثاني : تناولت فيه الجملة الفعلية ، وقد بدأته بتوطئة بينت فيها المقصود بالجملة الفعلية من منظور البحث ، وقد وردت مشتملة على جملة الفعل المبني للفاعل ، التي جاءت على مشتملة على ثلاثة أقسام ، وجملة الفعل المبني للمفعول ، وقد وردت مشتملة على قسمين فقط .
أما الباب الثاني : فقد خصصته للجملة المنفية ، وقد بدأته بتوطئة تناولت فيها النفي وأهم أدواته، وقد قسمته إلى فصلين :
الأول : تناولت فيه الجملة الاسمية المنفية ، وقد بدأته بتوطئة بينت فيها مفهوم البحث للجملة الاسمية المنفية ، وقد جاءت على قسم واحد .
الثاني : تناولت فيه الجملة الفعلية المنفية ، وقد بدأته بتوطئة وضحت فيها مفهوم الجملة الفعلية المنفية ، وقد جاءت على ثلاثة أقسام .
أما الباب الثالث : فقد عرضت فيه الجملة المؤكدة ، وقد بدأته بتوطئة عرضت فيها معنى التوكيد ، وأهم أدواته ، ثم قسمته إلى فصلين :
الأول : تناولت فيه الجملة الاسمية المؤكدة ، وقد بدأته بتوطئة وضحت فيها مفهوم الجملة الاسمية المؤكدة ، وقد وردت على قسمين.
الثاني : تناولت فيه الجملة الفعلية المؤكدة ، وقد بدأته بتوطئة عرضت فيها مفهوم البحث للجملة الفعلية المؤكدة ، وقد وردت هي الأخرى على قسمين .
أما الباب الرابع : فقد تناولت فيه الجملة الاسمية المسبوقة بناسخ ، والمقصود بالناسخ هنا الفعل الناقص ، وقد بدأت هذا الباب بتوطئة عرضت فيها الأفعال الناقصة وما تلحقه بالجملة الاسمية ، وقد جعلته على ثلاثة فصول :
الأول : جعلته للجملة الاسمية المثبتة المسبوقة بناسخ ، وقد بدأته بتوطئة عرضت فيها المقصود بهذه الجملة ، وقد جاء هذا الفصل على قسمين.
الثاني : جعلته للجملة الاسمية المنفية المسبوقة بناسخ ، وقد بدأته بتوطئة عرضت فيها المقصود بهذه الجملة ، وقد جاء هذا الفصل هو الآخر على قسمين.
الثالث : تناولت فيه الجملة الاسمية المؤكدة المسبوقة بناسخ ، وقد بدأته بتوطئة عرضت فيها المقصود بهذه الجملة ، وقد جاء هذا الفصل على قسمين اثنين.
ثم ختمت البحث بخاتمة تضمنت أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة، ثم أنهيت الرسالة بثبت المصادر والمراجع .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
|