مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، أكمل لنا الدين ، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنه ، سبحانه وتعالي ، خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وأسجد له الملائكة المقربين ، وكرمه أيما تكريم ، بما حباه من عقل ، الذي هو أداة التفكير ، ومحل التفضيل ، قال تعالي " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات ، وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا "
وبعد ،
فقد عني الإسلام بالنفس البشرية عناية فائقة ، واهتم بها اهتماما بالغا ، إذ هي صنعة الله وبنيانه ، فالإنسان أكرم مخلوق ، خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ، وجعله خليفة له في أرضه .
ومن ثم كان حقه في الحياة حقا مقدسا لا يحل انتهاك حرمته ، ولا استباحة حماه بغير حق ، ولذا كان من الكليات الخمس والمقاصد الضرورية التي يتوقف عليها حياة الناس الدينية والدنيوية ، بحيث لو فقدت اختلت الحياة في الدنيا وفات النعيم وحل العقاب في الآخرة .
ومن ضمن ما شرعه المولي عز وجل لحماية النفس البشرية وصيانتها أن حرم قتل النفس بغير حق . قال تعالي " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق "
إذ القتل هدم لبناء أراده الله ، وسلب لحياة المجني عليه ، واعتداء علي عصبته الذين يعتزون بوجوده ، وينتفعون به ، ويحرمون بفقده العون والسند .
ولذا كان الجزاء رادعا لمن تسول له نفسه قتل غيره بغير حق ، ويهون عليه هذا الأمر فبالإضافة إلي الجزاء الأخروي الذي ينتظره يوم القيامة ، والذي بينه المولي عز وجل في قوله :" ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما "
إلي جانب هذا شرع الله القصاص جزاء عادلا ، انتقاما من القاتل ، وزجرا لغيره ، وتطهير للمجتمع من الجرائم التي يضطرب فيها النظام العام ويختل معها الأمن .
فمن لم يفلح في تقويمه الوازع الديني والخوف من الله وعقابه يجد جزاء في الدنيا رادعا ، الأمر الذي يحول دون استفحال الشر واستشراء الفساد . وصدق الله إذ يقول : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون "
ومن عظيم اهتمام الشارع الإسلامي بالنفس البشرية وتشنيعه لمن يعتدي عليها بالهدم ، أن اعتبر القاتل لفرد من الأفراد كالقاتل للأفراد جميعا ، وهذا أبلغ ما يتصور من التشنيع علي ارتكاب هذه الجريمة النكراء . قال تعالي : " من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا "
والمعني من قتل نفسا واحدة وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل الناس جميعا ، لأنه اعتداء علي حق الحياة الذي تشترك فيه النفوس جميعا ، ومن ترك قتل نفس واحدة ، وصان حرمتها مخافة الله واستحياها ، فهو كمن أحيا الناس جميعا ، لأنه صان حق الحياة الذي تشترك فيه النفوس جميعا .
وغني عن البيان أن النفس التي عظم أمرها المولي عز وجل ، وحرم الاعتداء عليها والنيل منها ، هي النفس المحترمة شرعا ، فخرجت النفوس غير المحترمة ، كنفوس الزناة المحصنين ، والقاتلين للنفوس عمدا وعمودانا ، والمحاربين ، فليس أمثال هذه النفوس مما يجب حفظها ، بل يجب تطهير المجتمع منها .
وإذا كان الأصل في الشريعة الإسلامية أن القاتل عمدا ، متى توافرت فيه شروطه ، عقوبته القتل قصاصا ، ولكن في بعض الأحيان تقترن هذه الجريمة النكراء بظروف معينة ، تؤدي إلي تغيير صفة العقوبة من القتل قصاصا إلي القتل حدا .
وهو موضوع بحثنا " موجب التشديد في عقوبة القتل العمد في الفقه الإسلامي " والذي جعلناه في أربعة مباحث وخاتمة علي النحو التالي
خطة البحث
المبحث الأول : التعريف بالقتل العمد وحكمه وعقوبته
المبحث الثاني : الحرابة وأثرها في تشديد عقوبة القتل العمد
المبحث الثالث : قتل الغيلة وأثره في تشديد عقوبة القتل العمد
المبحث الرابع : مظاهر تشديد العقوبة
الخاتمة وتتضمن أهم نتائج البحث
والله الموفق والعين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الفهـــــــــــــــــــرس
م الموضوع رقم الصفحة
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24 مقدمة
المبحث الأول: حقيقة القتل العمد وحكمه وعقوبته
المطلب الأول : حقيقة القتل العمد
المطلب الثاني : حكم القتل العمد
المطلب الثالث : عقوبة القتل العمد
المبحث الثاني : الحرابة وأثرها في تشديد عقوبة القتل العمد
المطلب الأول : حقيقة الحرابة وأساسها الشرعي
الفرع الأول : حقيقة الحرابة
الفرع الثاني : الأساس الشرعي لحكم الحرابة
المطلب الثاني : موقف الفقهاء من عقوبة القتل في الحرابة
المطلب الثالث : ضوابط إنزال الحد علي المحارب
المطلب الرابع : وسائل إثبات الحرابة الموجبة للحد
الفرع الأول : البينة
الفرع الثاني : الإقرار
المطلب الخامس : التوبة وأثرها في سقوط حد الحرابة
الفرع الأول : حقيقة التوبة وأركانها
الفرع الثاني : وقت التوبة المسقطة للحد
الفرع الثالث : مظاهر التوبة المسقطة للحد
المبحث الثالث : قتل الغيلة وأثره في تشديد العقوبة
أولا : معني قتل الغيلة
ثانيا : موقف الفقهاء من قتل الغيلة
المبحث الرابع : مظاهر التشديد في عقوبة القتل العمد في القتل
في الحرابة والقتل غيلة
الخاتمة
مصادر البحث 1
4
4
8
10
15
16
16
21
24
39
55
55
66
73
73
76
78
81
81
83
92
100
102
|