تعتبر مدينة شيراز من مدن المشرق الإسلامي الهامة ، التي لعبت دوراً مهماً في التاريخ الإسلامي ، وساعدها موقعها في وسط إقليم فارس على أن تتبوأ مكانتها كحاضرة جغرافية لذلك الإقليم طوال عصوره التاريخية ، وكحاضرة سياسية لبعض الدول التي قامت في هذا الإقليم ، بل وشملت أقاليم أخرى كما هو الحال في الدولة البويهية ، الدولة السلغرية والدولة المظفرية .
وعلى الرغم من أهمية الدور السياسي والحضاري الذي لعبته هذه المدينة ، لم يوجه المؤرخون عامة والمؤرخون المسلمون خاصة عنايتهم إلى دراسة تاريخها ولم يمنحوها من اهتمامهم ما تستحقه ، وكل ماكتب عنها إنما يشمل كتابات باللغة الفارسية أو الأوروبية ، وهذه الكتابات أخذت في معظمها خطاً واحداً وهو الاهتمام بالأولياء والشعراء الذين زخرت بهم المدينة في عصرها الإسلامي ، أما الكتابات التاريخية والتي جاء معظمها باللغة الفارسية فهي تفتقر إلى الدقة والحياد العلمي بل وتتصف بالتعصب للعنصر الفارسي .
كان أول من اهتم بهذه المدينة من الكتاب القدماء أبو الخير زركوب وهو من رجال القرن الثامن الهجري وقد أفرد لها مؤلفاً جعل عنوانه " شيراز نامه " ألفه بهدف تخليد ذكر مدينته ، غير أن تناوله لتاريخها جاء مقتضباً ، وركز جُل اهتمامه للكتابة عن المشايخ والأولياء وأولاهم من عنايته الكثير .
وفي العصر الحديث جاءت المحاولة الأولى للتأريخ لهذه المدينة عندما كتب آرثر آربري Arberry Arthur مؤلفاً يحمل عنوان " Shiraz Persian city Of Saints and Poets " " ترجمه د.سامي مكارم تحت عنوان " شيراز مدينة الأولياء والشعراء " ، غير أن هذه المحاولة انصرفت عن دراسة التاريخ إلى دراسة الأولياء والصالحين فترجم في مؤلفه لأبي عبد الله بن خفيف و روزبهان البقلي ، ثم تحدث عن الشعراء وذكر منهم سعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي يقول آربري في مقدمته " إن كثيراً من قصتي ليس مألوفاً فلقد كتبت عن أمور تقع على هامش التاريخ الذي جرت العادة على تدوينه " إلا أن آربري لم يغفل ذلك التاريخ نهائياً ، بل كتب بضع صفحات كتمهيد لدراسته التي وجهها صوب الأولياء والشعراء ، غير أن ما كتبه كان مقتضباً ويفتقد إلى الدقة والاعتماد على المصادر الأصلية .
ومن ثم وقع اختياري على دراسة هذه المدينة كموضوع لدراستي رغم علمي أن موضوعاً كهذا يتطلب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً نظراً لأن معظم المادة العلمية المتوفرة لهذه الدراسة إنما هي بلغات غير عربية.
وقد اخترت عنوان الرسالة " الحياة السياسية وأهم مظاهر الحضارة في مدينة شيراز منذ منتصف القرن الثالث الهجري حتى نهاية الدولة المظفرية " ( 255 ــــ 795 هـــ / 869 ــــ 1393م ) ووقع اختياري على عام 255 هــ / 869 م كبداية لهذا الموضوع لأنه العام الذي شهد دخول يعقوب بن الليث الصفاري مدينة شيراز وإنشائه لأول دولة فارسية فيها ، أما نهاية الدراسة فقد اخترت لها عام 795 هـــ / 1393م وهو العام الذي سقطت فيه الدولة المظفرية التي حكمت مدينة شيراز ما يقرب من إحدى وأربعين عاماً وكان سقوطها إيذاناً ببداية دخول المدينة عصراً جديداً تحت حكم الدولة التيمورية .
وقد قسمت هذه الدراسة إلى ستة فصول مهدت لها بتمهيد عن جغرافية شيراز وأحوالها التاريخية تناولت فيه بالدراسة التعريف باسم شيراز وبموقعها وجغرافيتها ثم بنشأتها وهل هي مدينة فارسية قديمة أم مدينة إسلامية النشأة ثم عرضت التاريخ السياسي لها من الفتح الإسلامي حتى دخول يعقوب بن الليث الصفاري إياها عام 255 هــ / 869 م .
أما الفصل الأول فجعلت عنوانه " شيراز منذ منتصف القرن الثالث الهجري حتى بداية العصر البويهي " وتناولت فيه الظروف التي أدت إلى دخول يعقوب بن الليث الصفاري مدينة شيراز ، والصراع الذي دار بين الصفاريين والعباسيين حولها ، وأنهيته بسقوط الحكم الصفاري في شيراز .
وجاء الفصل الثاني بعنوان " شيراز في العصرين البويهي والسلجوقي " وتناولت فيه تاريخ المدينة في حقبتين : أولاهما العصر البويهي الذي يعتبر أهم عصورها بصفتها حاضرة الدولة البويهية ، وعرضت فيه لدور هذه المدينة في تأسيس الدولة البويهية وكيف كانت نقطة الانطلاق لتوسعاتهم وزيادة ممتلكاتهم التي امتدت لتشمل مدناً أخرى خارج إقليم فارس ، ثم تحدثت عن علاقة شيراز وحكامها البويهيين بالخلفاء العباسيين ومدى حرصهم على الحصول على تفويض من الخلفاء بحكمهم ، وكذلك العلاقات التي ربطت مابين الأمراء البويهيين في شيراز وبغداد ، وتناولت محاولة الفاطميين نشر دعوتهم بها ، ثم تحدثت عن سقوط الحكم البويهي بهذه المدينة في عام 448 هــ / 1056م بعد عام واحد من نهايته في بغداد عام 447 هــ / 1055 م .
أما الحقبة الثانية التي تناولتها في هذا الفصل فهي شيراز تحت السيطرة السلجوقية وكيف آل حكم هذه المدينة إلى السلاجقة وما صحبه من تحول في وضعها من حاضرة للدولة البويهية إلى حاضرة لإقليم فارس فحسب بل وتابعة للدولة السلجوقية وتناولت في هذه الحقبة أوضاع المدينة في عهد الأتابكة الولاة المعينين من قبل سلاطين السلاجقة .
وكان عنوان الفصل الثالث " الدولة السلغرية في شيراز " وتحدثت فيه عن قيام الأتابكة السلغريين بتأسيس دولتهم وسياستهم الداخلية بها ، ثم تناولت العلاقات الخارجية لمدينة شيراز في عهدهم وأنهيت هذا الفصل بسقوط الدولة السلغرية .
أما الفصل الرابع فكان عنوانه " شيراز تحت الحكم المغولي " وتحدثت فيه عن كيفية انتقال السيطرة على مدينة شيراز من الأتابكة السلغريين إلى المغول ، وأحوال شيراز في عهد هؤلاء الحكام ، وكيف أن هذه المدينة قد شهدت قيام حكم وراثي لأسرتين مختلفتين تدينان بالطاعة للإيلخانات المغول وهما الأسرة الطيبية وأسرة بني اينجو .
ويأتي الفصل الخامس بعنوان " الدولة المظفرية في شيراز " لدراسة أوضاع هذه المدينة كحاضرة لدولة مستقلة هي الدولة المظفرية وتحدثت فيه عن قيام هذه الدولة وصراع الأمير مبارز الدين محمد مع الأمير الشيخ أبي إسحاق إينجو حتى انتهى الأمر بدخول مدينة شيراز في فلك الدولة المظفرية التي ضمت مدناً أخرى خارج إقليم فارس كميبد وكرمان وأصفهان ويزد وغيرها ، ثم تناولت الأوضاع السياسية الداخلية في عهد خلفاء مبارز الدين محمد وصراعاتهم التي أدت في النهاية إلى سقوط دولتهم في يد الأمير تيمورلنك عام 795هــ / 1393م وانتهاء أمر إمارتهم المستقلة في شيراز .
وأفردت الفصل السادس والأخير لدراسة " أهم المظاهر الحضارية في مدينة شيراز " خلال الفترة موضوع الدراسة ، وتناولت فيه عناصر السكان بمدينة شيراز من الفرس والديلم والأتراك والعرب والأكراد والزط ، ثم تحدثت عن الطوائف الدينية بمدينة شيراز وكذلك الحياة الاقتصادية في هذه المدينة ثم تعرضت لدراسة النواحي العمرانية بمدينة شيراز ، وأنهيت هذا الفصل بالحديث عن أبرز العظماء الذين أنجبتهم المدينة أو الذين انتسبوا إليها وهم من غير أبنائها ولكنهم وفدوا إليها واستقروا بها .
وأخيراً ختمت هذا البحث بالنتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة وذيلته بعدد من الملاحق وأتبعت ذلك بثبت المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها لإعداد هذه الدراسة.
|