حاول هذا البحث تطبيق أحد المناهج اللغوية الدلالية - وهو منهج الاستبدال substitution test – على الفعل أتى في اللغة العربية ؛ من خلال السياقات التي شغلها مجردا في القرآن الكريم . والاستبدال الدلالي هو وسيلة للوقوف على دلالة الكلمة في السياق الذي ترد فيه ، من خلال استبدال كلمة أخرى بها في نفس السياق ، فإذا لم يتغير المعنى ، وكانت الجملتان متساويتين دلالياً equivalent sentences - دلّ ذلك على أن الكلمة البديلة تدل على ما تدل عليه الكلمة المُسْتَبْدَلَة ؛ وإذا تغير المعنى وكانت الجملتان مختلفتين دلالياً different sentences- دلّ ذلك على أن البديلة ليست بمعنى المستبدلة.
وقد أَلْزَمَتِ الدراسةُ نفسَها بأن تكون السياقات المشتملة على بدائل "أتى" مُشَابِهَةً للسياقات المشتملة على "أتى" في الموضوع أو في الفكرة العامة . وقد وقعت هذه الدراسة في مبحثين، أحدهما: البدائل اللغوية للفعل أتى في القرآن الكريم ، والثاني: أشكال الاستبدال بين أتى وبدائله.
وبعد معالجة البدائل اللغوية للفعل أتى (متعديا بنفسه، ومتعديا بنفسه وبحرف، ومتعديا بحرف ، ولازما) ، وأشكال الاستبدال بينه وبين بدائله، يمكن أن نقف-إجمالا- على ما يلي:
1-كان للفعل أتى أكثر من بديل في بعض السياقات، فمثلا في قوله تعالى : (( إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أيها الناس ويَأتِ بِآخَرِين )) (النساء133) ، يمكن أن نستبدل بالفعل أتى الفعل استخلف ؛ فقد ورد في التنزيل العزيز قوله تعالى : (( إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ويَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يشاء )) ( الأنعام 133) ، ويمكن أن نستبدل به (أتى) الفعل استبدل ؛ فقد ورد في التنزيل العزيز قوله : (( وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم )) ( محمد38)، … إلخ .
2-تتفاوت بدائل أتى– من حيث أفضلية استبدال بعضها بـ أتى دون بعض- وفقا للتركيب اللغوى المشتمل على أتى ، فالفعلان : أرسل، وبعث-مثلا- يمكن استبدال أيٍّ منهما بـ أتى في أي سياق ، إلا أن يكون التركيب المشتمل على أتى أسلوب قصر بـ ما وإلا ، مثل : ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ، فإن الأفضل أسلوباً- وربما يكون الأصح - في هذا التركيب أن نستبدل الفعل أرسل بـ أتى؛ لوروده في التنزيل العزيز: (( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه )) ( إبراهيم4) . أما بعث فلم يَرِد في التنزيل العزيز في مثل هذا التركيب.
3-تتفاوت أيضاً بدائل أتى- من حيث أفضلية استبدال بعضها بأتى دون بعض- وفقا لورود البديل في سياق مشابه للسياق المشتمل على أتى فى القرآن الكريم ؛ فمثلا في قوله تعالى: (( إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أيها الناس ويَأتِ بِآخَرِين )) (النساء133)، يُفَضَّلُ أن نستبدل بالفعل أتى الفعل استخلف؛ لوروده في سياق مشابه، وهو قوله تعالى: (( إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء)) ( الأنعام 133) ، ولا يُفَضَّلُ استبدال الفعل خَلَقَ مثلا به (أتى) - وإن كان جائزا- لعدم وروده في سياق مشابه في القرآن الكريم للسياق المشتمل على أتى .
4-يُسْتَبْدَلُ بعض بدائل أتى به ( بأتى) دون تغيير في المعمولات ، أي: تكون معمولات أتى هي نفسها معمولات الفعل البديل، مثل: أتاهم العذاب= أصابهم العذاب، وأتى الله بقلب سليم=عَبَدَ الله بقلب سليم، وتأتون المنكر= تفعلون المنكر، وأن تأتوا البيوت=أن تدخلوا البيوت، وأتوا على واد النمل= مروا على واد النمل؛ وبعضها (بدائل أتى) يلزم عن استبداله بأتى أن نستبدل بمعمول أتى معمولا مناسبا للفعل البديل، مثل : أتى الفاحشة = نكح المرأة ، وائتوا حرثكم=جامعوا نساءكم،…إلخ.
5-كانت بدائل أتى في بعض السياقات أفعالا مشتقة من ألفاظ معمولاته (أتى)، مثل: أتاهم العذاب= عَذَّبْنَاهم، وأتاهم نصرُنا = نَصَرْنَاهُم وائتوني مسلمين= أسلموا؛ أو مشتقة من معاني ألفاظ معمولاته، مثل: أتاها أمرنا = دَمَّرْنَاها؛ لأن الأمر هنا بمعنى التدمير.
6-كان نوع الفعل البديل- في الغالب- هو نفس نوع الفعل المُبْدَل (أتى) ، فقد جاء الفعل البديل – وهو متعد بنفسه- بديلا لأتى المتعدي بنفسه بنسبة 54.5% وجاء وهو متعد بنفسه وبحرف - بديلا لأتى المتعدي بنفسه وبحرف بنسبة 98.1%، وجاء –وهو لازم – بديلا لأتى اللازم بنسبة 81,5% . وربما تكون هذه النتيجة دافعا إلى القول بأولوية استبدال الأفعال التي تنتمي إلى نوع واحد بعضها ببعض إن أمكن، فتستبدل الأفعال المتعدية بنفسها بعضها ببعض، والأفعال المتعدية بحرف بعضها ببعض، واللازمة بعضها ببعض ، وإن كان هذا لا يمنع من استبدال الأفعال المتعدية باللازمة ، واللازمة بالمتعدية ، …إلخ .
|