حاولت هذه الدراسة أن تعالج ظاهرة المحظور اللغوي من وجهة نظر دينية، وذلك من خلال معالجة المحظورات اللغوية الواردة في صحيح البخاري. وقد كان الدافع الرئيسي لهذه الدراسة ورود حديث شريف ، استخدم فيه النبى ( صلى الله عليه وسلم ) - وهو مَنْ هو فى الحياء وحُسْنِ الخلق – الفعل الدال على العلاقة الجنسية المشتق من مادة النون والياء والكاف استخداماً صريحاً، وكذلك استخدم - صلى الله عليه وسلم – اللفظ الصريح الدال على الْحَدَث ، المشتق من مادة الضاد والراء والطاء . وقد ثار فى نفسى عدد من الأسئلة : ما هى المعايير التى يعد اللفظ – على أساسها – محظوراً ؟ وهل يمكن أن يكون اللفظ الواحد محظوراً على اعتبار وغير محظور على اعتبار آخر ؟ وهل تتفاوت المحظورات الواقعة على شىء واحد فى درجة الحظر ؟ وهل تتفاوت الألفاظ البديلة أو المستحسنة فيما بينها ؟
ونظراً لتعدد المصطلحات الدالة على هذه الظاهرة فى كتب اللغويين العرب - مؤلَّفة كانت أو مترجمة – فقد رأيت أن أتناول هذه المصطلحات بالبحث والدراسة ، فى محاولة لتحديد المصطلح الملائم – من وجهة نظرى – للدلالة على هذه الظاهرة . ومن ثم فإن هذا البحث يتضمن مبحثين رئيسيين ، أولهما: الظاهرة وتحديد المصطلح، والثاني: مجالات المحظور اللغوى فى صحيح البخارى (مجال العمليات الفسيولوجية، ويتضمن ثلاثة مجالات فرعية ، هى : مجال العلاقة الجنسية ، ومجال قضاء الحاجة ، ومجال الحدث ؛ والآخر مجال الأعلام ، ويتضمن ثلاثة مجالات فرعية أيضاً، هى: مجال الأسماء ، ومجال الكُنَى ، ومجال الألقاب) .
وبعد معالجة المصطلحات المختلفة الدالة على الظاهرة، ومجالات المحظور اللغوى فى صحيح البخاري ، يمكن أن نقف على ما يأتي:
1-أن الأعلام المحظورة فى صحيح البخارى – أسماءً كانت أو كنى أو ألقاباً –يرجع حظرها إلى خمسة أسباب ، هى :
أ-دلالة العلم على صفة خاصة بالله –عز وجل– فلا ينبغى أن يتصف بها غيره من خلقه، مثل : ملك الملوك ، أو شاهن شاه بالفارسية.
ب- دلالة العلم على صفة خاصة بالرسول – صلى الله عليه وسلم – لا ينبغى أيضا أن يشاركه فيها غيره من الناس،مثل: أبو القاسم .
ج- دلالة الاسم على تزكية مَنْ وقع عليه هذا الاسم ، مثل اسم بَرَّة الذى استبدل به الرسول – صلى الله عليه وسلم – اسم زينب .
د- خُلُوّ الاسم من الدلالة ، مثل اسم "فلان" الذى استبدل به الرسول صلى الله عليه وسلم اسم المنذر .
هـ- قبح دلالة الاسم وإساءتها للمسمى ، مثل اسم حَزْن الذى أراد الرسول أن يستبدل به اسم سَهْل .
2-أن اللفظ الواحد يكون محظوراً على اعتبار وغير محظور على اعتبار آخر، فالفعل "ناك" الذي استخدمه الرسول – صلى الله عليه وسلم- غير محظور ؛ لأن المسألة تتعلق بحكم شرعى ، وهو إقامة حد الزنى على ماعز بن مالك الذى ورد ذكره فى الحديث؛ وإقامة الحدود لابد أن تقوم على اليقين التام بارتكاب الجريمة ، وجريمة الزنا يجب الوقوف عليها بالألفاظ الصريحة الدالة عليها ، ولا يكتفى بأن يقول المقر عن نفسه : زنيت ، فربما يقول ذلك ولم يقع منه إلا النظر أو التقبيل أو ما شاكل ذلك ؛ فالعين تزنى بالنظر ، واليد تزنى باللمس ، وكذلك سائر الأعضاء، وهذا ما دعا النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى أن يسأل ماعز بن مالك: لعلك قبلت ، أو غمزت ، أو نظرت .
واستخدام الرسول اللفظ الصريح الدال على الصوت (الضراط) غير محظور؛لأنه كان في مقام الحديث عن الشيطان ، فاستخدم من الألفاظ ما يناسب حقارة الشيطان، فلفظ الضراط – بما فيه من قبح – أليق بالشيطان وهو به أولى . أما عبارات : أحدث ، وسمع صوتاً ، ووجد ريحاً فقد جاءت متعلقة بالمؤمن فى أثناء الصلاة ، والمؤمن كريم عند ربه وعند رسوله – صلى الله عليه وسلم – فاستخدم الرسول من الألفاظ ما يتناسب مع مكانة المؤمن عند ربه ، فجاء – صلى الله عليه وسلم - بالعبارات الحسنة فى التعبير عن الدلالة المقصودة، فلفظ الضراط محظور عند الحديث عن المؤمن، مباح عند الحديث عن الشيطان.
|