حاول هذا البحث أن يكشف النقاب عن علاقة الفعلين سلا ونسي، أحدهما بالآخر، على مستوى البنية والدلالة والتركيب، وذلك من خلال دراستهما في أربعة دواوين، هي: ديوان جميل بثينة ، وديوان مجنون ليلى ، وديوان كُثَيِّر عزة ، وديوان قيس لبنى ؛ ولذلك وقعت ولذلك وقعت هذه الدراسة فى ثلاثة مباحث ، هى : الأول: الفعل سلا : أبنيته ودلالاته وتراكيبه ؛ والثاني: الفعل نسى: أبنيته ودلالاته وتراكيبه ؛والثالث: بـين الفعلـين سـلا ونســـى.
وبعد معالجة المباحث الثلاثة ، يمكن أن نقف على ما يأتي:
على مستوىالبنيـة :
أ- الفعل سلا له – مجرداً – بناءان هما : فَعَلَ(سلا)، وفَعِلَ (سَلِيَ)، وله مزيداً ثلاثة أبنية : أَفْعَلَ(أسلى) ، وفَعَّلَ(سَلَّى) ، وتَفَعَّلَ(تَسَلَّى) ، والفعل نَسِىَ له (مجرداً) بناء واحد وهو فَعِلَ ، وله – مزيداً – ثلاثة أبنية، وهى : أَفْعَلَ(أنسى) ، وفَعَّلَ(نَسَّى) ، وتَفَاعَلَ(تَنَاسَى).
ب-يغلب مجىء الفعلين مجردين ، فقد شغل سلا مجرداً ثلاثة وثلاثين سياقاً ، وشغل نسى مجرداً ثلاثين سياقاً ، ويقل مجيئهما مزيدين، فقد شغل سلا مزيداً خمسة عشر سياقاً، وشغل نسى مزيداً ثمانية سياقات، والمزيد من الفعلين يغلب أن يكون مزيداً بالهمزة، فقد جاء سلا مزيداً بالهمزة فى عشرة سياقات ، وجاء نسى مزيداً بها (بالهمزة) فى خمسة سياقات0وكثرة استخدام الفعلين مجردين ، وقلة استخدامها مزيدين مردها فى رأيى إلى دلالة المجرد منهما على ما يدل عليه المزيد .
جـ-جاء سلا على وزن فَعَلَ متعدياً بنفسه إلى مفعوله فى بعض السياقات ، وهذا يُصَحِّح ما ورد فى بعض كتب النحو من أن ما جاء على فَعَلَ يَفْعُلُ وهو واوى اللام يكون لازماً باطراد0
على مستوى الدلالة:
أ-هناك دلالات جاء عليها الفعلان سلا ونسى مجردين ومزيدين،لم ترد فى معاجم اللغة العربية القديمة والحديثة ، وهى : سلا المحب لقرب الحبيبة : ارتاح ، وسلا من الحزن : تخلص منه ، وسلا من الهوى: أفاق منه، وسلا من الهيام : برئ أو شفى، وسلا المحب الحبيبة: صبر عنها ، وسلاها : هجرها ، وسلاها : تركها أو فارقها ، وسلا المحب عن الحبيبة : عزف أو أعرض عنها ، وسلا المحب عن الحبيبة بغيرها : اشتغل عنها بغيرها ، أو استبدل بها غيرها.
وأسلى اليأسُ المحبَ: شَغَلَه ، وأسلى النأى المودة: أذهبها، وأسلت وفاة عزيز المحب محبوبته: هوَّنت عليه0وسلَّى المحب نفسه عن محبوبته: ردها أو زجرها، وسلَّت السنون الداء : أبرأته وأذهبته0وتَسَلَّى المحب بامرأة أخرى : اشتغل بها، أو استبدلها بمحبوبته0
أما الدلالات التى جاء عليها الفعل نسى مجرداً ومزيداً، ولم ترد فى المعاجم العربية، فهى:
نسى المحب أو المحبوبة أيام الحب : أنكرها ، ونسى المحب اتباع الوصل: تركه ، ونسيت المحبوبة ما عاناه المحب فى حبها : تجاهلته ، ونسى القلب المحبوبة : أفاق منها ، ونسى العبد يوم القيامة : قصر أو فرط فيه0
وأنسى الحب المحب الصلاة : شغله عنها ، ونسَّى الهوى المحب الأكل : ألهاه أو شغله عنه. وتناسى المحب المحبوبة : حاول أن ينساها0
جـ-أما العلاقات الدلالية بين الفعلين ، فيتضح – من خلال الدراسة – أنه ليس هناك ترادف تام أو مطلق بينهما ؛ إذ لم يأت سلا بمعنى نسى إلا فى سياقات قليلة 0 فالفعلان (مجردين) يترادفان فى بعض السياقات، ويمكن استبدال أحدهما بالآخر فى هذه السياقات، غير أنهما لا يترادفان فى كل السياقات، ويبقى لكل فعل منهما دلالاته التى اختص بها، فقد اختص سلا بدلالته على الارتياح لقرب المحبوبة ، والتخلص من الحزن ، والبرء من الهيام ، والصبر عن المحبوبة وهجرها ، والاشتغال عن المحبوبة بغيرها أو استبدال غيرها بها0 واختص نسى بدلالته على إنكار أيام الحب ، وتجاهل المحبوبة للمحب ، والتفريط أو التقصير فى طاعة الله0
أما سلا ونسى مزيدين بالهمزة (أسلى وأنسى) فليس بينهما ترادف تام أيضاً ، وإنما العلاقة بينهما علاقة تضمن أو اشتمال ، لأن دلالات أسلى تتضمن دلالات أنسى وزيادة ، فقد دل أنسى على الشغل، ودل أسلى على الشغل ، والإذهاب ( أسلى النأى المودة : أذهبها ) والتهوين (أسلت الوفاة المحب محبوبته: هونتها عليه)0
أما سَلَّى ونَسَّى فالعلاقة بينهما علاقة تباين ، فقد جاء سَلَّى بمعنى مَنَعَ النَّفْسَ أو رَدَّهَا عن المحبوبة ، وبمعنى أَبْرَأَ الداءَ ، وجاء نَسَّى بمعنى شَغَلَ أو أَلْهَى ، وواضح أن دلالات سَلَّى متباينة مع دلالات نَسَّى .
أما سلا ونسى مزيداً كل منهما بحرفين، فقد جاء سلا مزيداً بالتاء والتضعيف (تَسَلَّى) ولم يأت نسى على هذا الوزن (تَفَعَّلَ) ، وجاء نسى مزيداً بالتاء والألف (تَنَاسَى) ولم يأت سلا على هذا الوزن (تَفَاعَلَ)؛ ولذا لا يمكن مقارنة دلالات سلا مزيداً بالتاء والتضعيف بدلالات نسى مزيداً بالتاء والألف بين الفاء والعين0
على مستوى التركيب:
أ-تعددت الأشكال التركيبية للسياقات اللغوية التى شغلها الفعل سلا مجرداً ؛ ومرد ذلك إلى مجيئه (سلا) متعدياً إلى مفعوله بنفسه، ومتعدياً بحرف الجر عن، ومتعدياً بمن، ومتعدياً باللام ، وجاء لازماً غير متعد لا بنفسه ولا بحرف ، أما نسى فقد قَلَّت الأشكال التركيبية للسياقات التى شغلها ؛ لأنه لم يأت إلا متعدياً بنفسه0
ب-هناك أشكال تركيبية إذا جاءت عليها السياقات المشتملة على أحد الفعلين (سلا أو نسى) لم يكن لهذا الفعل إلا دلالة واحدة مهما تعددت السياقات اللغوية الواردة عليه، فالشكل التركيبي :
سلا + السالى + عن+ المسلو عنه + الباء + المسلو به
ليس للفعل سلا فى أى سياق يرد على هذا الشكل إلا دلالة واحدة ، هى الاستبدال أو الاشتغال .
جـ-هناك أشكال تركيبية – وهذا النوع هو الغالب – تختلف فيها دلالة الفعل (سلا أو نسى) باختلاف السياقات اللغوية التى ترد على هذه الأشكال، بمعنى أن يكون الشكل التركيبي واحداً والسياقات اللغوية الواردة عليه مختلفة ، فتختلف دلالة الفعل لاختلاف السياقات ، فالشكل التركيبي :
سـلا + السالى + من + المسلو منه .
وردت عليه ثلاثة سياقات لغوية ، وهى : سلا المحب من الهيـام، وسلا المحب من الهوى،وسلا المحب من الحزن0وقد جاء سلا فى الأول بمعنى برئ أو شفى ، وفى الثانى بمعنى أفاق ، وفى الثالث بمعنى تخلص .
د-أما عن تصاحُبَات الفعلين ( سلا ونسى ) ، فهناك تصاحبات متكررة أو منتظمة ، فقد ورد الفعل سلَّى مصاحباً لكلمة النفس ، ولا يليق فى رأيي استبدال الفعل نسَّى بالفعل سلَّى فى السياقات التى جاء فيها سلَّى مصاحباً لكلمة النفس0
وجاء الفعل نَسِىَ -وهو فعل شرط - مصاحباً لأداة الشرط ما وجاء (نسى)- وهو جواب شرط منفى – مصاحباً لأداة النفى لا ، وذلك فى عبارة : "وما أنس لا أنسى" التى تكررت خمس مرات ، وهى تكاد تكون عبارة مسكوكة ، لا يجوز أن يستبدل بكلمة من كلماتها كلمة أخرى مرادفة لها ، فلا يجوز استبدال سلا بالفعل نسى فيها ، ولا يجوز استبدال إن الشرطية بما ، ولا ما النافية بـ لا التى تسبق جواب الشرط0
وجاء نسى أيضاً –وهو جواب قسم منفى بحرف نفى– مصاحباً لحرف النفى لا ، ومصاحباً لفعل القسم "أقسم" وذلك فى عبارة "أقسم لا أنساك" التى تكررت خمس مرات0
وجاء نسى كذلك مصاحباً لفعل الإرادة فى جملة : " أريد لأنسى ذكرها " ، ولا يجوز استبدال سلا بالفعل نسى فى هذا السياق ؛ لأن مصاحبة نسى للفعل أراد ولكلمة ذكر التى وقعت مفعولاً – مصاحبة منتظمة ، لأن هذه العبارة (أريد لأنسى ذكرها) تكررت بفصها ونصها ثلاث مرات0
|