بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمـة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فيسعدني أن أقدم للمهتمين بالدراسات اللغوية (علم اللغة) هذا الكتاب الذي يعرض لعددٍ من ظواهر اللغة العربية، في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة.وظواهر اللغة العربية كثيرة كثيرة، بحيث لا يمكن لكاتب واحد أن يكتب فيها كلها، ولا يمكن لكتاب واحد أن يجمع بين دفتيه كل الظواهر التي تعرفها اللغة العربية.
وظواهر اللغة العربية ليست كثيرة وحسب، وإنما هي متنوعة تَنَوُّعَ فروع اللغة العربية؛ فمنها ما يتصل بالنحو، ومنها ما يتصل باللغويات، ومنها ما يتصل بالبلاغة. وربما يروق لكل متخصص في علم من علوم العربية أن يدرس الظواهر التي تدخل في تخصصه، فيدرس المتخصص في النحو مثلاً ظواهر تتعلق بالنحو والصرف، كظاهرة الإعراب، وظاهرة الإعلال والإبدال، وغير ذلك، ويدرس المتخصص في اللغويات ظواهر كالتعريب، والقياس، والاشتقاق، والنحت، وغيرها. وقد يدرس المهتمون بالدراسات اللغوية ظواهر تتعلق بالنحو والصرف؛ لأن الدراسات النحوية والصرفية داخلة في إطار الدراسات اللغوية بالمفهوم العلمي؛ فعلم اللغة يدرس اللغة الإنسانية على أربعة مستويات، النحو والصرف يمثلان مستويين من هذه المستويات الأربعة، فضلاً عن الأصوات، والدلالة.
وقد رأيت أن أعرض في هذا الكتاب للظواهر اللغوية القائمة على علاقة اللفظ والمعنى، أحدهما بالآخر؛ أي علاقة اللفظ بمعناه، وعلاقة المعنى بالألفاظ الدالة عليه؛ فاللفظ الواحد قد يكون له معنى واحد، وهو ما يمكن تسميته بعلاقة التَّبَايُن؛ وقد يكون له معنياه مختلفان يدل عليهما، وهو ما يعرف بالاشتراك اللفظي، وقد يكون له معنياه ضدان وهو ما يعرف بالأضداد. والمعنى قد يكون له لفظ واحد (التباين)، وقد يكون له لفظان أو أكثر يدلان عليه، وهو ما يعرف بالترادف، وتسمى الألفاظ الكثيرة الواقعة على معنى واحد بالألفاظ المترادفة.
وإذاً فعلاقة اللفظ بالمعنى، والمعنى باللفظ تظهر في ثلاثة أشكال، تمثل ظواهر في اللغة العربية، وهي : الترادف، والاشتراك اللفظي، والأضداد، وهذه الظواهر الثلاث ربما يرى كثير من المتخصصين أنها قتلت بحثاً ودراسة، وأنه ليس فيها زيادة لمستزيد، غير أنني أؤكد أن هذه الظواهر الثلاث وغيرها من ظواهر العربية، ستظل موضع بحث ودراسة، ما دام الباحث أو الدارس حريصاً على معالجة جوانب لم تعالج من قبل، أو إبداء آراء جديدة لم يُسْبَق إليها، أو تصحيح أفكار غير صحيحة، استقرت في الأفهام، أو غير ذلك من أشكال التجديد في معالجة الظاهرة.
وإنني لأؤكد أن عرض الظاهرة عرضاً يعين الناشيء على فهمها، والإلمام بها، سواء أكان ذلك بتفصيل مجملٍ، أو توضيح غامض، أو تفسير غريب، أو شرح فكرة، أو غير ذلك من أشكال العرض – يعد ميزة من المزايا التي يجب أن يحرص عليها المؤلف، أي مؤلف.
وقد عرضت في هذا الكتاب لظاهرة الترادف : مفهومها (لغة واصطلاحا)، واختلاف العلماء في وجود الترادف في اللغة، وأسباب وجوده عند المثبتين له، وعرضت لفكرة الترادف الدلالي والترادف السياقي، وفكرة المفاضلة بين المترادفات، وأهمية الترادف في اللغة .
وعرضت لظاهرة الاشتراك اللفظي : مفهومها(لغةً واصطلاحا)، واختلاف العلماء في وجود الألفاظ المشتركة، وأسباب وجود المشتركات في اللغة، وأهميتها . وعرضت لظاهرة الأضداد : مفهومها (لغة واصطلاحا)، واختلاف العلماء في وجود الأضداد، وأسباب وجوده، وأهميته في اللغة.
وبناءً على ما سبق، فإن هذا الكتاب يقع في ثلاثة فصول، هي:
الفصل الأول : ظاهرة الترادف : مفهومها ، وأسبابها، وأهميتها.
الفصل الثاني: ظاهرة الاشتراك اللفظي: مفهومها، ، وأسبابها، وأهميتها.
الفصل الثالث : ظاهرة الأضداد : مفهومها، وأسبابها، وأهميتها.
وآمل أن يحقق هذا الكتاب شيئاً من الغاية التي تطلعت إليها، فإن يكن فذلك فضل من الله ومنة، وإلا فحسبي أني اجتهدت غير عابئ بكد، ولا باخل بجهد .
والحمد من قبل ومن بعد.
دكتور
ناصر على عبد النبي
|