تعتبر التربية والأخلاق من أهم المجالات التي عُنِيَ بها ابن سينا في فلسفته، وترك لنا فيها كثيرًا من الكتب والرسائل، وهذا البحث محاولة لِتَسْليط الضوء على أحد هذه المسائل، وهي منهج ابن سينا في التربية والأخلاق.
وقد احتوى هذا البحث على ثلاثة مباحث، تتناول: ترجمة ابن سينا، ومعرفة النفس وكيفية سياستها في فكره، وكيفية اكتساب الأخلاق عنده
ومن أهم النتائج المتعلقة بهذه الدراسة أن ابن سينا له اهتمام ملحوظ بالنفس البشرية رغبة في الوصول بها إلى كمالها المنشود؛ فكتب في ذلك الكثير من الرسائل، كما تناولها في ثنايا العديد من كتبه، وكان يرى أن الطريق إلى تهذيب النفس يكمن في معرفة المرء لنفسه ومعرفته للآخرين، وعلى هذا الأساس يبني منهجه في تربية النفس وسياستها.
واهتم ابن سينا بتربية الطفل والعناية به صحيًّا ونفسيًّا، وكان أحد أولئك الذين أفاضوا في الحديث عن العناية بالطفل في مراحل نموه المختلفة، وأسهم من خلال كتابه السياسة في وضع قواعد منهجية لتربية الأولاد، وله آراء فلسفية وتربوية مهمة في تأديب النشء وتربية الأولاد.
وقد دعا ابن سينا إلى مراعاة أخلاق الطفل وإبعاده عن المؤثرات الضارة على سلوكه وأخلاقه, واعتبر أن مبدأ الثواب والعقاب ضرورة تربوية يُلجأ إليها في بعض الحالات الملحة، وأشار إلى الدور البارز لأقران التعلم، كما وضع شروطًا ومواصفات لمن يكون أهلا لتعليم الصبيان. وقد وجَّه الأنظار إلى الصفات السلوكية والخلقية التي يجب على المعلم أن يتمتع بها.
وانتبه ابن سينا إلى شرائط التعليم والتعلم سواء تعلق الأمر بالمعلم أو المتعلم أو المادة، وحث على وجوب مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين، ومراعاة الميول والمواهب الخاصة بالمتعلم.
والجدير بالذكر استمد ابن سينا منهجهه التربوي والأخلاقي من الدين الإسلامي، ومن واقع عصره ومجتمعه، والتربية عنده لا تقتصر على مرحلة واحدة، بل تشمل تربية الطفل منذ لحظة ولادته حتى زواجه وانخراطه في الحياة الاجتماعية، كما إنها لم تركز على جانب واحد من شخصيته، بل تهتم بكل جوانب الشخصية الإنسانية الفردية، والمجتمعية، والأخلاقية، والدينية، والمهنية، وتسعى إلى تحقيق تكاملها العقلي والجسدي والانفعالي.
|