نتناول في هذه الورقة البحثية دور المدارس الإسلامية في تطوير التعليم في العالم الإسلامي في أواسط القرن الخامس الهجري وذلك لأنها نشأت كرد فعل للأحداث التي طرأت على العالم الإسلامي إبان تلك الفترة، فكانت الظروف المجتمعية مهيأة لإحداث مثل هذا النوع من ردود الأفعال، وذلك عندما انتقل المجتمع الإسلامي من طور الكمون والنشأة إلى طور البلوغ والاكتمال، عندما بدأت الثقافة القومية تلتحم بالثقافات الوافدة. الأمر الذي أدى بدوره إلى نضج العلم في المجتمع الإسلامي، حتى أصبحت المساجد تنوء بتحمل مثل هذه الوظيفة، فكان لابد من ظهور الإرهاصات الأولى للمدارس كمؤسسات تربوية متخصصة لتدريس العلوم، بصورة منظمة، وظلت المدارس إبان ظهورها تؤدي مهمتها التربوية في المجتمع الإسلامي، وذلك لأنها الرحم الطبيعي لنمو العلوم وازدهارها، حتى تغلغلت في كل نواحي العالم الإسلامي، وهذا بعد أن أدرك القائمون على أمر العالم الإسلامي آنذاك أهمية وجود المدارس في المجتمع، لهذا فقد عملت المدارس على مسايرة ما يحدث في المجتمع. ولم تقف جامدة، بل طورت مناهجها بما يتناسب ويتمشى مع كل تغيير يحدث في المجتمع، وهذا يرجع إلى أنها نابعة من صميم المجتمع، وليست شيئاً غريباً عليه، لهذا فقد كان لزاماً عليها أن تقوم بدور تربوي واضح القسمات في المجتمع الإسلامي، وذلك بمعنى إحداث نوع من التغييرات في نظام التعليم في المجتمع، يستدل به على وجودها الفعلي في المجتمع، وليس وجودها كصورة فقط، لهذا فقد كانت هذه المدارس لها بصمات واضحة على حياة التعليم العربي الإسلامي، الأمر الذي أدى بدوره إلى تقدم المجتمع الإسلامي، لأن تقدم المجتمع مرهون بتقدم التعليم، وذلك لأن الحكم على فعالية هذه المدارس يكون نتاجاً لما تركته من بصمات واضحة في حياة هذا المجتمع. |