الترجمة وسيلة من وسائل الاتصال ، ونقل الأيدلوجيات والعلوم ، وهي وسيلة للتعلم ، ومما لا شك فيه ، أن الترجمة الدينية سابقة على الترجمة الأدبية ، حيث كانت تترجم الكتب المقدسة ، بل كانت الأديرة مركزا هاما للترجمة ،وقيل (( إن الترجمة الدينية هي التي أفرزت نظرية الترجمة ) .
وعلى الرغم من ذلك : (( لا يقدر أحد من التراجم أن ينقل القرآن على شيء من الألسن ، كما نقل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية ، وترجمة التوراة والزبور وسائر كتب الله عز وجل بالعربية ، لأن العجم لم تتسع في المجاز اتساع العرب )) .
ذلك لأن في القرآن من البيان ولطائف المعاني ووجوه الإعراب ما لا يستقل به لسان من فارسية وغيرها . ولما يحويه من تصحيح للطبائع ، وارتباطه بالتوحيد والتشريع ، ولما يكتنفه من أسلوب بحاجة إلى تأويل حُمّلت مشقته السنة الشريفة ، والمفسرون على اختلاف ثقافتهم وأجناسهم ، ولما يتفرد به من بيان وإعجاز ، وتكمن هنا خطورة نقل النص المقدس إلى لغة أو لغات أخرى ، وقد أشار الجاحظ قديما – إلى أن الخطأ وارد في ترجمة كتب الهندسة والتنجيم والحساب ، (( فكيف لو كانت هذه الكتب كتب دين وإخبار – عن الله – عزوجل – حتى يريد أن يتكلم على تصحيح المعاني في الطبائع ، ويكون ذلك معقودا بالتوحيد ويتكلم في وجوه الإخبار واحتمالاته للوجوه ، ومتى لم يعرف المترجم ذلك أخطأ في تأويل كلام الدين ، والخطأ في الدين أضر من الخطأ في الرياضة والصناعة ..))
وبجه عام فإن مجال الترجمة يتطلب : (( الإلمام بكل مقومات اللغتين من أصوات وتراكيب ومعان ومصطلحات ، فمشكلة الترجمة ... مشكلة إيجاد المتعادلات في اللغتين ، سواء كانت هذه المتعادلات تختص بالأصوات ، أو بالتركيب اللغوي ، أو بالمعنى ، أو بالمصطلح ، ولا يتأتي للمترجم أن يقع بسهولة على تلك المتعادلات ، إلا إذا كان ملما بهذه المقومات لكل من اللغتين..)).
وقد ذكر علماء اللغة أنه في الترجمة المثلية ، ينبغي على المترجم أن يذكر المرادف الترجمي وحده ، وألا تضاف التعديلات والتعليقات إلا في حالة محدودة ، مثل الإبهام في حالة المشترك اللفظي homonyms.
وفي ضوء هذا ينبغي على المترجم أن يبحث عن مرادف للفكرة لا للكلمة لعدم الإخلال بالمعنى.
ومما يسبب غموض المعنى أيضا ما يحيط بألفاظ اللغة من مجازات وعبارات اصطلاحية ، وظلال المعاني.
ولقد انتشرت ترجمات القرآن الكريم بصورة واسعة مع الارتطام بالعائقين السابقين ، وليس من جهة لضبطها وتحريرها مما يسئ إلى الكتاب المقدس بتشويه المضمون عمدا أو جهلاً ، فكثرت الترجمات الجزئية والتامة للقرآن الكريم ما بين مترجم للفظ أو للمعنى ، وأصبحت النسخ لا حصر لها في فرنسا وألمانيا وروسيا وإيطاليا وغيرها ، وتفاوت فيها الإخلال الواضح والصريح بعدم احترام قدسية النص الإلهي ، كما أدى النقل من لغة إلى لغة ، غير اللغة الأصلية إلى التشويه البين
من هنا كان هدف البحث تتبع واحدة من أهم إشكالات الترجمة ، وهي (( تعدد المعنى )) Polysemy في اشتقاقات مادة (( ز ي ن )) في القرآن الكريم ، والوقوف على أسباب الغموض في المعنى الذي يؤدي إلى عدم الدقة في الترجمة ، أهو التوزيع السياقي للفظ؟ أم الظروف الحالية المحيطة به ، وكيف عالج المترجم الأمرين ؟ أم اكتفى بظاهر اللفظ ولم يراع السياق اللغوي أو هامشية اللفظ أو مجازيته ، مكتفيا بالمعنى المركزي ؟ ثم ، هل راعي التركيب والمصاحبات اللغوية والعلاقات الدلالية الناشئة عن صورة التراكيب السطحية أم اهتم بالتراكيب العميقة ليقف على المعادلات الدقيقة مستعينا بما يمسرح له المقام من كتب التفسير والسنة . واخترت نسخة واحدة للمقابلة بين اشتقاقات (( اللفظ )) في اللغتين العربية والإنجليزية ، وهي بترجمة المصري د . محمد محمد غالي سنة 1998م ، وقد اعتمدت هذه النسخة الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية ،ووقع الاختيار عليها لاعتبارين :
الأول : أن المترجم ابن اللغة عارف ببواطنها ، ويستطيع أن ينقل المعنى نقلا دقيقا بافتراض إجادته للغة المترجم إليها النص.
الثاني : اعتمادها من الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية ،والمفترض وقوعها تحت التمحيص والتدقيق قبل نشرها .
وعرضت النسخة على نسختين أخريين هما نسختا يوسف على الباكستاني ، ومحمد مرمدوك بكثال ، للوقوف على المقابل الدقيق المقترح ، (( البديل )) باللفظ المترجم ترجمة حرفية مخلة بالمعنى .
وجاءت الدراسة في قسمين :
القسم الأول : الصورة الاسمية لكلمة وإشكالية تعدد المعنى .
وتتم معالجة هذا القسم في ضوء نظرية سياق الحال ، مع مراعاة المصاحبات اللغوية – متى وجدت – ودورها في تحديد الدلالة ، ومثل الصورة الاسمية للكلمة : المصدر ( زينة )) ولم يرد غيره في القرآن الكريم ، واعتمدت على كتب التفسير في الوقوف على القرائن المقامية الدقيقة المتعلقة بكل آية وعددها (( تسع عشرة)) آية ومنها: تفسير القرطبي والطبري، والزمخشري وابن كثير ، والبحر المحيط لأبي حيان الأندلسي ، وتحرير التنوير .
ومتى أمدتنى علائق السياق للغوي بقرائن لغوية تعين على تحديد المعنى استعنت بها أيضا ، كالآيات السابقة على الجملة موضع التحليل أو اللاحقة بها ، والمورفيمات السابقة أو اللاحقة بالكلمة أو المصاحبات اللغوية . وخلصت منها إلى المعنى السياقي العام ، وفرعت منه المعنى السياقي الخاص ، محددة المقابل المقترح في الإنجليزية في ضوء معطيات التحليل سالفة الذكر .
القسم الثاني : الصورة الفعلية للكلمة ، وإشكالية التركيب والدلالة:
وطبقت نظريتي : نحو الحالة (case grammar) والتبعية ، إذا يعد الفعل في النظرتين هو القوة المهيمنة والمسيطرة على العناصر الاسمية للجملة ، وقد ورد الفعل في القرآن الكريم في صورتين :
1- المبنى للمعلوم : ( فَعَلَ، فَعل،افْتعَلَ.)
2- المبني للمجهول :(فُعّل ).
فصلحت النظرية الثانية للتطبيق على المبني للمجهول ، والثانية على المبني للمعلوم ، ليتحقق الهدف من تتبع جانبين في الجملة الفعلية :
1- الجانب التركيبي : لافتراق اللغتين ( العربية والإنجليزية ) في بناء الفعل للمجهول وأثر ذلك على نقل المعنى .
2- الجانب الدلالي : اعتمادا على السياق والاستفادة من معطيات التركيب في تحديد الدلالة . وصولا إلى وضع المقابل الدقيق للفعل ( زين ) في ضوء هذا التحليل .
|