أحوال مملكة الفرنجة الإقتصادية في عهد شارلمان
(786 - 814 م/170-199هـ)
يعد الإمبراطور شارلمان (768-814) من أعظم شخصيات تاريخ غرب أوربا قاطبة؛إذ أمسك بزمام مملكة الفرنجة خارجيا وداخليا. فعلي الصعيد الخارجي قام بترويض عناصرشديدة البربرية، من سكسون، وفريزيين، وآفار، وبافاريين، ونورمان، ولومبارديين. وبذلك تمكّن من توحيد أوربا التي كانت قد مزقت إلي أشلاء علي أيدي أجداده من بني جنسه من الجرمان المتبربرين، الذين قاموا بإسقاط الإمبراطورية الرومانية وغزوا بلاد الغال مع نهاية القرن الخامس الميلادي، مكوناً مملكة عظمي هي مملكة الفرنجة.
والشئ الملاحظ أن اقتصاد مملكة الفرنجة كانت له خصوصيته التي ميزته عن غيره، فمن المعروف أن اقتصاد أي بلد يتأثر بأحوال البلد الخارجية، فينهض باستقراره، ويتراجع وينحسر باضطرابه. أما عن مملكة الفرنجة في عهد شارلمان، فعلى الرغم من نشاط شارلمان الخارجي الرامى إلي توسيع رقعة مملكته، في أنه كان يهادن دولة ليحارب أخري، إلا أن هذا الاقتصاد لم يتعرض للانهيار، لأنه كان إقتصادا ذا طابع مختلف، فهو اقتصاد مغلق يعتمد علي الاكتفاء الذاتي، وكانت الزراعة هي النشاط الأول الذي اعتمد عليه الإقتصاد في مملكة الفرنجة، متمثلا في اقتصاد الإقطاعيات سواء كانت إقطاعيات ملكية أو دينية، إذ إستأثرت الزراعة بالجانب الأعظم من هذا النشاط في عهد شارلمان، ومن ثم كان لها دور عظيم في تشكيل الاقتصاد الكارولنجي، ليأتي بعدها النشاط الصناعي في الإقطاعيات أيضا سواء أكانت ملكية أو ديرية، ثم النشاط التجاري الداخلي، الذي تم بين بقاع مملكة الفرنجة المختلفة، أو بين الإقطاعيات بعضها و بعض، وكذا النشاط التجاري الخارجي ما بين مملكة الفرنجة والأطراف الخارجية الأخري في المشرق الإسلامي والمغرب الإسلامي وفي إيطاليا وغيرها. وهكذا كانت الصفة الغالبة علي اقتصاد الإقطاعيات في مملكة الفرنجة في هذه الفترة هي الوصول إلي درجة الاكتفاء الذاتي. لذلك فقد شكلت كل إقطاعية من هذه الإقطاعيات إطاراً اقتصاديا متكاملاً.
أما عن فصول البحث فقد تم تقسيمه إلي ستة فصول يسبقها مقدمة وتمهيد ودراسة عن أهم المصادر ويعقبها خاتمة وملاحق وقائمة بمصادر الدراسة.
جاء الفصل الأول تحت عنوان أنواع الأراضي الزراعية في عهد شارلمان,وسوف يتناول عدة عناصر كأرض الإقطاع وما مفهوم الإقطاع وأشكاله وأقسامه والحياة الإقتصادية داخل الإقطاعية فقد اعتمد المجتمع الكارولنجي علي النشاط الزراعي أكثر من أي نشاط إقتصادي آخر، وقد كرس شارلمان جهده في إنشاء نظام صارم ودقيق للمحافظة علي أراضي مملكته علي اختلاف أنواعها، يتمثل في متابعة الأراضي وفرض نظام ضريبي، وقد اختلفت أنواع ملكيات الأراضي ولكن كان الإقطاع هو النظام الذي بنيت عليه جميع أشكال ملكية الأراضي، فهناك أراضي الأديرة وهناك الأراضي الملكية وأراضي الهبات ، ولأهمية الأراضي والزراعة كنشاط اقتصادي تناولت الباحثة في البداية دراسة الإقطاع ثم أشكال الأراضي المختلفة والأراضي الملكية ويقدم نموذجا عن تلك الأراضي ألا وهو إقطاعية (إسنابيوم)، ويتناول أيضا أرض الهبات وأراضي الأديرة مع ذكر نماذج لتلك الأراضي، مثل أراضي دير سان جرمان وسان برتن وغيرهما.
أما الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان النشاط الزراعي لدولة الفرنجة في عهد شارلمان, فقد احتلت الزراعة مرتبة متقدمة في النشاط البشري لمجتمع غرب أوربا في عهد شارلمان؛ حتي إنه يمكن القول أن الزراعة كانت الحرفة الأولي لهذا المجتمع ، ويؤيد هذا القول أن الفلاحين القائمين علي النشاط الزراعي في هذه الفترة كانوا يشكلون تسعة أعشار عدد السكان.
وقبل تناول الأنشطة الخاصة بالخدمات التي يؤديها الفلاحون في الأراضي، ينبغي تناول تصنيف الفلاحين من حيث القنية والحرية ومن حيث تصنيف ملكيات الأراضي المختلفة. فأما الفلاحون فقد ذكرت مسبقا أنهم إما أحرار أو أقنان، أما ملكيات الأراضي فهي إما أرض دينية أو ملكية، وجميع الفلاحين العاملين في الأراضي الزراعية يخضعون لعرف الإقطاع أي أرض منقسمة إلي قسمين : قسم المالك وقسم الحائزين، وهؤلاء الحائزون ينتفعون بالجزء الخاص بهم، مقابل زراعة أرض المالك. فيتناول هذا الفصل الفلاح والخدمات الزراعية التي يقوم بتأديتها لصاحب الأرض في مقابل حصوله علي قطعة أرض يتعيش منها، وكذلك نظام الزراعة الذي كان سائدا في مملكة الفرنجة في عهد شارلمان. والأدوات الزراعية سواء المستحدثة أو الموروثة من الإمبراطورية الرومانية، ودورها في الوصول إلي أعلي إنتاجية زراعية.
أما الفصل الثالث فهو بعنوان الثروة الحيوانية والغابية والأراضي المستصلحة,وهو يلقي الضوء علي أنواع الحيوانات في مملكة الفرنجة في عهد شارلمان، ودورها فيالحياة الاقتصادية سواء من خلال استخدامها فى العمل كحيوانات الجر، أو الاستفادة بها في سداد الضرائب، كما أشار الفصل إلي الغابات ودورها في تربية بعض الحيوانات مثل الخنازير، أو في الحصول علي الأخشاب، هذا فضلا عن عمليات استصلاح الغابات التي أقرها شارلمان والرهبان فيبعض الأحيان.
أما الفصل الرابع الذي يحمل عنوان الصناعة في مملكة الفرنجة في عهد شارلمان فسوف أتناول فيه مقومات قيام النشاط الصناعي، وأهم الصناعات المختلفة سواء التي تمت في الأديرة، أو في الإقطاعيات. ومنها الصناعات المعدنية و الصناعات الخشبية، وصناعة الخمر... وغيرهامع الاهتمام أيضا بإيضاح أهمية الصناعة فى اقتصاديات المملكة.
وخصص الفصل الخامس لمعالجة موضوع“التجارة في مملكة الفرنجة في عهد شارلمان”وتتناول الباحثة فيه الإجراءات التي اتخذها شارلمان من أجل النهوض بالتجارة ، ودور الإقطاعيات والمدن كمراكز تجارية، والتجارة مع الفريزيين ومع السلاف والآفار. ثم أتناول طبقة التجار وأنواع الأسواقالتي تمت بها المعاملات التجارية. كما سوف أناقش فى هذا الفصل التجارة الخارجية، وأثر الصراع السياسي في البحر المتوسط علي النشاط التجاري لمملكة الفرنجة في عهد شارلمان, و السفارات المتبادلة ما بين شارلمان وهارون الرشيد وأهدافها التجارية. وتطرق الفصل أيضا إلي أهم الطرق البرية والبحرية. وكذلك التجارة مع السوريين ومع البندقية ومع الأندلس.
أما الفصل السادس فجاء بعنوان" الضرائب والجهاز المالي " فقدمت الباحثة دراسة عن الضرائب المختلفة, والتي انقسمت إلي ضرائب ملكية، وضرائب ديرية. حيث كانت مصادر دخل النبلاء وطبقة رجال الدين وشارلمان نفسهفي مملكة الفرنجة تأتي من الضرائب فقد فقام النبلاء بفرض ضرائب باهظة علي تابعيهم وكان ذلك يسبب أحد أشكال الضغط علي دافعي الضرائب، بل كان يهدد حياتهم وحريتهم في بعض الأحيان مما يعني أن بعض أنواع هذه الضرائب كانت تثقل كاهل الشعب الفرنجي، ولعل السبب في ذلك يرجع إلي عدم وجود نظام ضريبي مقنن ومكتوب كما قامت الباحثة أيضا في هذا الفصل بعرض دقيق للعملة في عهد شارلمان والتطورات التي دخلت عليها .
وقد زودت البحث في النهاية ببعض الملاحق، والتي أسهمت في توضيح بعض القضايا، وكشفت ما غمض منها، ثم اختتمت الباحثة هذه الدراسة بخاتمة تبرز أهم النتائج التي توصلت إليها, وكذلك قائمة بالمصادر والمراجع الأجنبية والعربية والمعربة.
|