في ظل بيئة الأعمال المعاصرة دائمة التغير تواجه المنظمات الحكومية المصرية العديد من الاضطرابات والمخاطر وعدم التأكد التي تهدد بقائها واستمراريتها إذا ما تحولت إلى أزمات ومن ثم إلى كوارث، فلا توجد منظمة في مأمن من الأزمات والأحداث الطارئة، ونظراً لديناميكية بيئة الأعمال وتعقدها أصبحت المنظمات عرضة للعديد من المخاطر والتهديدات على مختلف المستويات وبسيناريوهات متعددة يمكن أن تؤدي إلى تدمير عملياتها وأنشطتها وإهدار مواردها وبنيتها التحتية.
كل هذه المتغيرات تحتم أولوية الوقاية والحماية الواعية والاستعداد للاضطرابات التشغيلية الرئيسية بما يجنب منظمات الأعمال والمنظمات الحكومية بشكل خاص الأضرار والخسائر الناجمة عن تلك الاضطرابات، وتعد إدارة استمرارية الأعمال مدخلاً وقائياً حقيقياً للحفاظ على خدمات وعمليات المنظمة في ظل الاضطرابات والأحداث غير المواتية، كما أن استراتيجية استمرارية الأعمال ليست مقصورة على التعامل مع أحداث الاضطرابات عندما تقع، ولكنها تعمل على إنشاء ثقافة داخل المنظمة تهدف لزيادة مستوي المرونة لتأكيد البقاء والاستمرار في توفير الخدمات للمستفيدين.
في هذا السياق تتزايد الضغوط التي تدفع منظمات الأعمال والحكومات إلى اتخاذ خطوات جادة تتعلق باستمرارية أعمالها في سبيل التحول من مفهوم استمرارية الأجهزة المادية والبنية التحتية إلى مفهوم استمرارية الخدمة الذي يأتي على رأس أولويات المنظمات الحكومية.
وبالتالي جاءت فكرة البحث لإثارة الانتباه حول دور برامج إدارة استمرارية الأعمال في تحديد المخاطر والتهديدات المحتملة والاستعداد والوقاية من الاضطرابات الناجمة عنها، وتوضيح دور القيادات بالوزارات والحكومة المصرية في نجاح تطبيق هذه البرامج لإمكانية تحقيق النتائج المرجوة منها فيما يتعلق بتحسين الأداء التنظيمي والسيطرة على المخاطر وبالتالي تخفيض التأثيرات السلبية الناجمة عن المخاطر والاضطرابات والحيلولة دون تحولها إلى أزمات وكوارث وابقائها في المستويات المقبولة.
وفي ضوء ما سبق تمثلت المشكلة محل البحث في طرح مجموعة من التساؤلات التي تتمحور حول دور القيادات العليا بالوزارات والحكومة المصرية في نجاح تطبيق برامج إدارة استمرارية الأعمال والسيطرة على المخاطر المحيطة بها بما يؤدي لتحسين الأداء وتحقيق المرونة التنظيمية، وكيف يمكن للقيادة التحويلية أن تساهم في نجاح تطبيق هذه البرامج سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال توفير متطلبات التطبيق أو عوامل النجاح الجوهرية، وما هو التأثير المتوقع لتطبيق برامج إدارة استمرارية الأعمال على تحسين الأداء التنظيمي وتحسين مؤشرات السيطرة على المخاطر بالوزارات والحكومة المصرية.
وللإجابة على تلك التساؤلات اعتمد البحث على مؤشرات إدارة استمرارية الأعمال عالمياً وإقليمياً، إضافة إلى الدراسة الإستطلاعية التي أجراها الباحث والتي أسفرت عن ضعف ممارسات إدارة استمرارية الأعمال في المنظمات المصرية مقارنة بالمستويات العالمية والإقليمية، وقصور الفكر الوقائي التحسبي في التعامل مع الاضطرابات والأزمات، وغياب التنسيق والتكامل بين الجهات المعنية بإدارة الأزمات والكوارث، وعدم وجود وحدات وأجهزة مستقلة لإدارة استمرارية الأعمال، إضافة إلى ضعف ثقافة إدارة استمرارية الأعمال.
وفي ضوء أهداف ومشكلة البحث تم صياغة نموذج الفروض المقترح للإجابة على تساؤلات المشكلة البحثية والذي يتضمن ثمانية فروض رئيسية.
ولمعالجة مشكلة وموضوع البحث وتحقيق أهدافه تتكون الرسالة من ستة فصول رئيسية إضافة للإطار العام للبحث الذي يتناول الإطار المنهجي للبحث، حيث تناول الفصل الأول التطور الفكري لنماذج ومداخل استمرارية الأعمال من خلال استعراض ماهية إدارة استمرارية الأعمال وتطورها وجهود الباحثين فيما يتعلق بمداخل ونماذج وأطر عمل إدارة استمرارية الأعمال، واستعرض الفصل الثاني دور القيادة التحويلية في إدارة استمرارية الأعمال من خلال مناقشة مفهوم وتطور القيادة التحويلية ودورها في إدارة استمرارية الأعمال من خلال الاستعداد والاستجابة والتجنب والتعافي من الاضطرابات والحوادث. ثم دلف الفصل الثالث لاستعراض تجارب بعض الدول في إدارة استمرارية الأعمال فيما يتعلق بالجهود الدولية وجهود الحكومات في إدارة استمرارية الأعمال، وكذلك الممارسات العالمية ومقارنة التجارب الدولية واستخلاص الدروس المستفادة منها،
وتكاملاً مع هذه الفصول تناول الفصل الرابع اقتراح إطار عمل لإدارة استمرارية الأعمال يتضمن سبعة خطوات في إطار منهجية إدارة استمرارية الأعمال. كما ركز الفصل الخامس على تناول الدراسة الميدانية لاختبار فروض البحث من خلال توضيح المقاييس المستخدمة في البحث والخطوات المتبعة في اختبار الفروض، بينما تناول الفصل السادس ما توصل إلية البحث من نتائج إضافة إلى التوصيات ومقترحات الأبحاث المستقبلية.
ولغرض إختبار فروض البحث وتحقيق أهدافه تم الاعتماد على البيانات الثانوية إضافة إلى البيانات الأولية التي تم جمعها من خلال قائمتي استبيان تم توجيه إحداها إلي طبقة القيادات العليا بالوزارات والحكومة المصرية والتي تشمل وكلاء أول الوزارة ووكلاء الوزارة ومديري العموم، وقد بلغ حجم العينة 288 مفردة من 375 بنسبة استجابة بلغت 76.8 %، وتم توجيه الأخرى إلى مجموعه من الخبراء في مجالات إدارة الأزمات والمخاطر، والتخطيط الاستراتيجي والإدارة العامة في كل من أكاديمية ناصر العسكرية ومعهد التخطيط القومي، وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ووحدة بحوث الأزمات بكلية التجارة جامعة عين شمس، بغرض إختبار إطار العمل المقترح لإدارة استمرارية الأعمال بلغ حجم هذه العينة 55 مفردة. إضافة لمجموعه من الخبراء بالإدارة العليا والوسطى في قطاعات مختلفة تعتبر أطرافاً للأزمات المعاصرة في المجتمع المصري بلغ حجم هذه العينة 138 مفردة.
كما اعتمد البحث على برنامج SPSS v.21 في تكويد وترميز متغيرات البحث وحساب الإحصاء الوصفي لأبعاد ومتغيرات البحث ومعاملات ارتباط بيرسون، كما اعتمد في إختبار فروض البحث على نموذج المعادلة البنائية Structural Equation Modeling فيما يتعلق بقياس التأثير الكلي والعلاقات السببية بين متغيرات البحث، إضافة إلى تحليل المسار Path Analysis لإختبار العلاقات المباشرة وغير المباشرة ومعامل المسار الذي يوضح قوة العلاقة الخطية بين متغيرات البحث باستخدام برنامج AMOS v.21.
هذا وقد ثبتت صحة الفرض الأول فيما يتعلق بوجود تأثير إيجابي ذو دلالة إحصائية للقيادة التحويلية على توفر متطلبات تطبيق إدارة استمرارية الأعمال، بينما لم تثبت صحة الفرض الثاني بعدم وجود تأثير إيجابي ذو دلالة إحصائية للقيادة التحويلية على تطبيق برنامج إدارة استمرارية الأعمال، كما ثبتت صحة الفرض الثالث بوجود تأثير إيجابي ذو دلالة إحصائية لتوفر متطلبات تطبيق إدارة استمرارية الأعمال على تطبيق برنامج إدارة استمرارية الأعمال بالوزارات المصرية، كما ثبتت أيضاً صحة الفرضين الرابع والخامس بوجود تأثير إيجابي ذو دلالة إحصائية لتطبيق برنامج إدارة استمرارية الأعمال على تحسين الأداء التنظيمي، وتحسين مؤشرات السيطرة على المخاطر، بينما لم تثبت صحة الفرض السادس حيث أوضحت النتائج عدم وجود تأثير إيجابي ذو دلالة إحصائية للقيادة التحويلية على تحسين الأداء التنظيمي، كما ثبتت صحة الفرض السابع فيما يتعلق بوجود تأثير إيجابي ذو دلالة إحصائية لتوفر متطلبات تطبيق إدارة استمرارية الأعمال على تحسين مؤشرات السيطرة على المخاطر، وأخيراً ثبتت صحة الفرض الثامن بوجود تأثير إيجابي ذو دلالة إحصائية لتحسين مؤشرات السيطرة على المخاطر على تحسين الأداء التنظيمي.
وقد خلص البحث إلى مجموعه من الدلالات تتمثل فيما يلي:
أن توفر متطلبات تطبيق إدارة استمرارية الأعمال يساهم بشكل كبير في دعم التطبيق الناجح لبرامج إدارة استمرارية الأعمال بالوزارات والحكومة المصرية.
أن القيادة التحويلية بالرغم من أنه لم يثبت لها تأثير إيجابي على تطبيق برنامج إدارة استمرارية الأعمال بالأجهزة الحكومية المصرية، إلا ان لها تأثير إيجابي غير مباشر على تطبيق البرنامج من خلال تهيئة بيئة مواتية للتطبيق تتوافر بها عوامل النجاح الجوهرية أو متطلبات التطبيق.
أن القيادة التحويلية لم يثبت لها تأثير مباشر إيجابي على تحسين الأداء التنظيمي بالوزارات والأجهزة الحكومية المصرية، الأمر الذي يمكن أن يرجع إلى عدم توفر مقومات القيادة التحويلية بالأجهزة الحكومية المصرية، وطبيعة علاقات السلطة والمسئولية والمركزية الشديدة وطرق اختيار وتعيين القيادات.
أن التطبيق الناجح لبرنامج إدارة استمرارية الأعمال بالوزارات والحكومة المصرية يؤدي لتحقيق نتائج ملموسة تتعلق بتحسين الأداء التنظيمي وتحسين مؤشرات السيطرة على المخاطر.
أن النتائج المرجوة من تطبيق برنامج إدارة استمرارية الأعمال لا تقتصر فقط على النتائج المباشرة ولكن أيضاً ثمة نتائج غير مباشرة يمكن تحقيقها.
وفي ضوء اجماع الخبراء على حاجة المنظمات المصرية لمداخل أكثر وقائية للتعامل مع الاضطرابات والكوارث التي تحدث في البيئة المصرية، وفى إطار الاعتماد على الإجراءات العلاجية ورد الفعل وغياب التنسيق والتكامل بين الجهات المختلفة المنوط بها معالجة المخاطر والأزمات، وفي ضوء موافقة الخبراء على إطار العمل المقترح لإدارة استمرارية الأعمال، فإن تطبيقه يصبح مطلباً ضرورياً للاستعداد والوقاية من المخاطر والتهديدات والاضطرابات المحتملة.
في النهاية قدم البحث مجموعة من التوصيات المقترحة لتفعيل تبنى وتطبيق برامج إدارة استمرارية الأعمال بالوزارات والحكومة المصرية، كما طرح البحث عدداً من المجالات البحثية المقترحة لدراسات مستقبلية في مجال إدارة استمرارية الأعمال والمرونة والرشاقة التنظيمية.
|