الشخصية وحدة ديناميكية ، تتكون من حصيلة تفاعل قوى ذاتية جسمية وعقلية وانفعالية ، وقوى بيئية مادية واجتماعية . فإذا سهلت هذه القوى المختلفة بتعاونها تكيف الفرد وتوافقه مع أفراد المجتمع الذي يعيش فيه ، تكاملت الشخصية ، وإذا عرقلت هذه القوى بتنافرها تكيف الفرد ، تفككت الشخصيـة وتصدعت . وتكامل الشخصية يعني خلوها النسبي من الاضطرابات النفسيــة , والصــراعات الداخلية المستمرة ، شعورية أو لا شعورية ، فالصراعات بين حاجات الفرد البيولوجية وضميره ، وبين نزواته وعاطفة احترامه لذاته ، وبين ما يريده وما يقـدر عليه ، وبين أفكاره ومبادئه وقيمه ، وبين إنجازاته وأهدافه ، وبين رغباته ومخاوفه ، تلعب دوراً كبيراً في تكوينه النفسي واستقراره الاجتماعي .
( محمود الزيني ، 1974 : 181 )
ولا خلاف على أن ظاهرة الإعاقة في العالم قد باتت الشغل الشاغل لبعض المهتمين ، وعلى قمة العمل الاجتمـاعي والنفسي علماء التربية بصفة عامة والصحة النفسية بصفة خاصة . ففي الوقت الذي تنادي فيه المنظمات والحكومات بإعداد تشريعات لفرص حقوق المعاقين ، رغبة في بسط مظلات تحقق توازناً لهذه الفئات الحساسة التي تحتاج إلى رعاية ومرافقة من المهد إلى اللحد ، نجــد على النقيض دولاً تتصارع وتحترف القتال والتدمير مخلفة ورائها طابور من المعــاقين .ويرتبط مفهوم الإعاقة Handicap بالكثير من المفاهيم مثل الإصابة Impairment أو العجز Disability ، ويشير هاريس Harris إلى أن الإعاقة نوع من القيود أو القصور في القيام بالأنشطة التي يسببها العجز ، بينما يشير وينج Wing إلى أن الإعاقة نقص كبير في القدرات الوظيفية للجسم .
( عن : عبد الله عبد الرحمن ، 1995 : 116 )
ويقصد بالإعاقة ذلك النقص أو القصور المزمن ، أو العلة المزمنة ، التي تؤثر على قدرات الشخص فيصبح معاقاً ، سواء كانت هذه الإعاقة جسمية أو حسية أو عقلية أو اجتماعية . الأمر الذي يحول بين الفرد وبين المنافسة المتكافئة مع غيره من الأفراد العاديين في المجتمع . ( محمد عبد المؤمن ، 1986 : 12 )
والإعاقـة ليست موضوعاً طارئاً أو مؤقتاً أو خاصاً بفئة من الناس دون الفئات الأخرى ، أو من ابتكارات العصر الحديث ، وإنما هو موضوع دائم يواجه المجتمع في كل يوم وليلة ، أيا كان تقدم هذا المجتمع أو تأخره ، فالإعاقة ظاهرة بشرية ظهرت منذ أقدم العصور ، وما زالت موجودة في شتى أرجاء العالم ، وستظل مستمرة ما بقيت الإنسانية . فهي ليست مرضاً يقضى عليه بالأدوية والعقاقير والتطعيم بالمصل الواقي ، وإنما هي حالة من حالات الطبيعة البشرية ، كمـــا أن الإعاقـة ليست مقتصرة على بعض العائلات دون غيرها ، وإنما هي شذوذ في الطبيعة . ( عبد المجيد عبد الرحيم ، 1988 : 10 )
والمعاق كما بين عبد المجيد عبد الرحيم (1988) هو كل فرد أعيقت بعض أعضائه أو وظائفها عن الطبيعة السوية المألوفة في غالبية البشر ، كأن يعاني الفرد نقصاً في الجسم أو العقل أو علاقاته الاجتماعية أو الخلقية . ( عبد المجيد عبد الرحيم ، 1988 : 13 )
ومما لا شك فيه فإن الإعاقة تختلف باختلاف موقعها من شخصية الفرد ، ومدى شدتها ، ومرحلة حدوثها ، بحيث يمكن القول بأنه لا يوجد عضو من أعضاء الجسم البشري أو الوظائف النفسية لم يتعـرض لإعاقة في تاريخ الجنس البشري بدرجة من درجات القصور . ففي جميع العصور وجدت حالات من الإعاقة مزمنة أو طارئة حلت بكافة أعضاء الجسم ووظائفها . لذلك فإن ضروب الإعاقة كثيرة ومتعددة فمنها : إعاقات الحس ، وإعاقات الجهاز البصري ، وإعاقات الجهاز السمعي ، وإعاقات العظام وإعاقات أمراض القلب ، وحالات سوء التوافق العقلي ، وإعاقات الكلام والنطق ، وغيرها من الإعاقات المتعددة ، ولكننا أمام إعاقة محددة بعينها ألا وهي الإعاقة السمعية Hearing impairment .
ولما كان الكائن البشري يعتمد اعتماداً جوهرياً على حواسه , التي من خلالها تأتيه الاحساسات المختلفة التي تكون بمثابة خبرات حية ، هذا بالإضافة إلى المعلومات التي يستقبلها من خلال حواسه ، والتي تشكل عالمه الإدراكي والفكري والتصوري والتخيلي . فإن الفقدان الحسي للكائن الآدمي يحد من عالم خبراته ، إذ يحرمه من بعض المصادر المادية التي من خلالها يتم تكوين وبنـاء شخصيته . والمتأمل في ميدان سيكولوجية المعاقين بصفة عامـة ، وسيكولوجيـة الأبنـاء الصـم بصفة خاصة ، يرى أن هناك ثمة عملية تعويضية وتبديلية تحدث بشكل طبيعي وتلقائي داخل أورجانزم الكائن الآدمي ، هذا التناغم والتناسق الداخلي الذي يهبه الخالق لجميع مخلوقاته هو في حد ذاته بمثابة ديمومة وصيرورة لبقائهم ، لأنه بدون هذا التناغـم والتناسق الداخـلي فإن دوام الحياة يصبح من المحال .
( أيوجين مندل ، ماكاي فيرنون ، مترجم ، 1976: 5 )
وحاسة السمع من أهم الحواس التي يعتمد عليها الإنسان في تفاعلاته مع الآخرين أثناء مواقف الحياة اليومية المختلفة ، نظراً لكونها بمثابة الاستقبال المفتوح لكل المثيرات والخبرات الخارجية ، ومن خلالها يستطيع الفرد التعايش مع الآخرين . والحرمان من هذه الحاسة ( السمع ) من شأنه أن يحدث خللاً في التفاعل الاجتماعي , والتوافق النفسي مع أبناء المجتمع الذي يعيش فيه ، إذ أنه يحرم الفرد من الاستجابة للمثيرات الكلامية للآخرين .
( محمد النوبي ، 2000 : 2 )
لـذا تعتبر الإعاقـة السمعية من أشـد وأصعب الإعاقات الحسية التي تصيب الإنسان ، حيث يترتب عليها فقد القدرة على الكلام بجانب الصمم الكلي ، وبذلك يصعب على الأصم اكتساب اللغة والكلام وتعلم المهارات المختلفة التي تساعده على التوافق مع المجتمع الذي يعيش فيه ، إذ أنها تحرمه الفرد من الاستجابة للمثيرات الكلامية للآخرين .
( مصطفى شحاته ، 1998 : 208 )
وبالتالي فإن الإعاقة السمعية تسبب للمعاق سمعياً ( وبخاصة الأصم ) معاناة أكثر من غيرها ، وتلك التي يولد بها الطفل من أشد الإعاقات تأثيراً على الإنسان مستقبلاً . فالسمع هو الطريق الأساسي لتعلم اللغة ، والاتصال بالآخرين ، وبالتالي فإن إعاقته السمعية تؤدي إلى إعاقة التفاعل الاجتماعي والنفسي السليم ، وعدم الاستخدام الكامل لجوانب الشخصية .
( عثمان فرج ، 1999 : 112 )
وبالتالي فإن الإعاقة السمعية من أشد وأخطر الإعاقات التي يمكن أن يتعرض لها الفرد , حيث أن هذه الإعاقة تفقد الفرد القدرة الحسية السمعية , التي تمثل وسيلة حفظ ووقاية بالنسبة للإنسان , والركيزة الأساسية للتعلم والتفاعل الاجتماعي , ومن ثم فإننا نجد أن الأفراد ذوي الإعاقة السمعية يفتقرون إلى الملكات العقلية التي تؤهلهم للاستفادة من دلالات الأصوات ومعانيها ومن ثم فإنه يصعب عليهم أن يقوموا بالتكيف الضروري لمستلزمات وجودهم , فيكون العالم بالنسبة لهـم مختلفاً في مفهومه عما هو عليه في حقيقته , وإذا كانت معاناة الأفراد ذوي الإعاقة السمعية لفقـدان أسباب التفـاهم والاتصال مع الأهل والأقران وأفراد بيئتهم صعبة وقاسية , فإن معـاناتهم من الشـك , والانطـواء , والعـزلة , والشعور بالوحدة النفسية أعظم وأضخم . ( مصطفى القمش , 2000 , 11 )
ويذكر سيد مرسي (1976) : أن الأفراد ذوي الإعاقة السمعية , وخاصة المراهقين منهم , يعيشون اضطراباً انفعاليا قوامه العزلة والشعور بالوحدة والقلق , لأنهم يعيشون في عالم صامت , خال من الأصوات واللغة , كما أنهم معزولين عن العالم الخارجي , , ومحرومين من معاني الأصوات التي يتفاعلون بها مع الآخرين , مما يؤدي إلى تعميق مشاعر النقص والدونية والعجز والشعور بالعزلة . ( سيد مرسي , 1976 : 30 )
ويضيف رمضان القذافي (1988) أن للصم آثاراً سلبية ، إذا لم تقبلها الأسرة وتساعد أبنائها على تقبلها فإنها تؤثر سلباً على الجوانب المختلفة لشخصية الأبناء الصم ، وبالأخص الجانب الاجتماعي ، وما لديهم من مهارات اجتماعية . بل أن الصم من أكبر العوائق للخروج من عالم العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة التي فرضها عليهم الصمم ، وكسر الحاجز الذي يحول بينه وبين عمليات التوافق ، واستخدام قدراتهم العامة ، والوصول إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه وفق إمكاناتهم . ( رمضان القذافي ، 1988 : 135 )
ويرى شاكـر قنديل (1995) أن الوسط الاجتماعي الذي يحيا فيه الفرد الأصم يلعب دوراً كبيراً في تسهيل أو تعقيد مهمته في التعامل مع الصعـوبات الناتجة عن الإعاقة . فقد أشار تريفيينو Trevino إلى أن الأبنـاء الصـم هم امتداد لآبائهـم ، ومن ثم فإن قدراتهم على قبول الإعاقـة والتعايش مع الصعـوبات المرتبطة بها تتـأثر إلى حـد كبير باتجاهـات آبائهم نحوهم . ( عن : شاكر قنديل 1995 : 9 )
وتؤكد زينب شقير (2001) إلى أن الأبنـاء الصم يعانون العديد من المشاكل ، سـواء النفسية أو الاجتماعية ، حيث يجـدوا صعوبة بالغـة في التعبير عن أنفسهم ، وصعوبة شديدة في فهـم الآخـرين لهم ، فضلاً عن وقوفهم عاجزين عن فهم ما يدور من حولهم . وكل ذلك يؤدي إلى شعـورهم باليأس والإحبـاط ، ويتولد لديهم ميلاً طبيعياً إلى العـزلة بعيداً عن أفـراد المجتمع ، كما يظهر لديهم عجـز واضح في تحمل المسئولية ، وعدم الثقة في الآخرين . ( زينب شقير ، 2001 : 270 )
|